الأربعاء، 16 ديسمبر 2009

هل الإرهاب ديدن الإسلام ؟



ثائر الناشف
لا تبدو المقاربة بين الإسلام والإرهاب صائبة من كل الزوايا ، فليس كل فعل إرهابي ، مهما اشتدت حركته واتسعت دائرة تأثيره ، يعني العنف ، حينها يمكننا اختصار المسافة الفاصلة بينهما ، والقول إن العنف هو ديدن الإسلام ، ويتضح العنف من خلال نتائجه التدميرية على المادة قبل الروح .
ففي إحدى زوايا الربط بين الإسلام والإرهاب، أنه يعني الردع ، أي رد الفعل إلى أساسه الذي يحاول الارتداد منه ، وبالتالي منعه من التحقق ، فيما يشبه الترهيب النفسي الذي يحول دون تحقيق أهدافه .
فالارتكاز على معنى واحد ، قد لا يعفي الباحث من تهمة التحيز إلى تبني رؤية دون الأخذ أو الإشارة إلى الرؤية الأخرى ، لهذا فإن الاشتغال على أحد المعنيين السالفين ، لا بد أن يؤدي إلى المعنى الآخر ، وإلا فأن التحيز هو التهمة الجاهزة دائماً في كل زمان ومكان .
ولطالما أشرنا إلى عدم صوابية الربط بين الإسلام والإرهاب ، فهذا لا يعطي مسبقاً شهادة البراءة ، لكلٍ من المفهومين السابقين ، وعلاقة بعضهما ببعض ، ولعل صور المعارك الدامية في الصومال بين الأحزاب والجماعات الإسلامية ، وكذلك التفجيرات المدمرة في جمهورية باكستان الإسلامية ، تقدم البرهان القاطع من تلقاء نفسها ، ودون أدنى مواربة أو محاولة لتجميل الصورة أو الالتفاف على حقيقتها ، وذلك بأن العنف هو الذي يتحكم بإدارة دفة الصراع بين الإسلاميين أنفسهم ، وأن القول الفصل لمن يمارس العنف بصورة أشد دموية على خصمه ، باعتبار أن الدم يستسقي الدم ، وبالتالي فإن العنف يستسقي العنف في كل جولة من جولات
الصراع .
غير أن هذا العنف ، سواء كان في الصومال أو باكستان ، يؤكد لنا أنه في اتجاه واحد ، أي أنه صراع إسلامي – إسلامي ، قبل أن يكون صراعاً إسلامياً – غربياً ، ولو أنه يدعي " الجهاد " بداية ، ثم لا يلبث أن يطلق النار على نفسه ، فهل أن الأمر في أساسه يتعلق بالصراع على السلطة ، كما حدث في الجزائر في مطلع تسعينيات القرن الماضي وفي أفغانستان إثر تدخل الولايات المتحدة على خلفية هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، وأن كان جله تحت شعارات الإسلام ، أم أنه لا يعدو كونه سلوكاً مغروساً في كينونته المفطورة على العنف ، سواء قبل الإسلام أو بعده .
في الواقع أن الإجابة على السؤال السابق ، قد تبدو معقدة ومتشعبة في آن معاً ، لأنه إذا كان أساس هذا العنف ، مجرد الصراع على السلطة ، فلا شيء يبرر ربطه بالإسلام ، ففي أصقاع إفريقيا تدور صراعات شتى على السلطة ، ولنا في جنوب إفريقيا أوضح مثال ، وكذلك الحال في أسيا ، إذا ما أخذنا سيرلانكا في الحسبان .
كما لا نستطيع الجزم أن العنف المتولد في أوساط المجتمعات الإسلامية أو إلى ما عداها من مجتمعات مجاورة ، عائد إلى التكوين النفسي والجيني لدى الإنسان الشرقي ، دون الإنسان الغربي ، أو إلى التنشئة الدينية للإسلام بعينه ، فكل الديانات السماوية والأرضية ، فيها من الرحمة ما يشي بالسلام الكامل ، وأيضاً فيها من الدعوة الصريحة إلى العنف والتي تنضح فيها نصوص كتبها المقدسة ، ما ينذر بأبدية الصراع ، ولسنا في وارد استعراضها في هذا الصدد .
وقد يجري السؤال، رداً على ما جرى ذكره، إذن لماذا انتفى العنف كلياً من المسيحية في أوروبا، وظل يفعل فعله في الإسلام ؟ ليس لأن أوروبا عطلت سلطة الكنيسة ، وأبقت أبوابها مفتوحة لمن شاء الدخول أو الخروج منها دون حسيب أو رقيب ، في حين بقيت المساجد الإسلامية ( المسجد الأحمر في باكستان ) بؤرة لكل نماذج العنف ، بل لأنها أنهت أحلام رجال الدين في التربع على السلطة من خلال الكنيسة ، وقد يفهمها البعض هنا ، بداية ثورة فصل الدين عن الدولة ، من خلال الركون إلى العلمانية السياسية والقانونية والاجتماعية ، كما في فرنسا وألمانيا وبريطانيا ، فهذه الدول الثلاث ، وأن كانت قد مارست العنف تجاه بعضها ، كما فعلت ألمانيا النازية ضد فرنسا ، أو تجاه العالم الآخر ، مثلما فعلت بريطانيا في الهند ، وفرنسا في إفريقيا ، فإنها لم تمارسه في الإطار العام باسم الدين أو المذهب ، حتى لو أدعى البعض ذلك ، بقدر ما مارسته بفعل تحقيق مصالحها السياسية والقومية ، بعكس حال المجتمعات الإسلامية التي لم تستطع أن تحيد الدين في كل صراعاتها الداخلية ، كما في أفغانستان ، أو الخارجية كما حصل أبان الحرب العراقية – الإيرانية ، التي دامت لثماني أعوام ، وحصدت من الأرواح ما يزيد عن المليون إنسان ، ومهما حاول البعض توصيف هذه الحرب وربطها بأسباب عرقية ، وإضفاء الطابع القوي عليها ، كصراع عربي - فارسي ، إلا أن أسبابها المذهبية، التي حملتها الثورة الخمينية في بداية عهدها في طهران عام 1979 ، هي التي بعثت ومازالت تبعث على العنف ، يوازيها في المقابل إيديولوجية الولاء والبراء كعقيدة سياسية أكثر منها دينية ، والمعمول بها من قبل الجماعات السلفية ، بحيث أن كل هذا الصراع الإسلامي – الإسلامي يرسخ في الذهن ، لطالما كان العنف نابعاً من الإسلام نصاً من خلال الاستناد على بعض الآيات القرآنية ، وروحاً من خلال الاستعداد الدائم للموت في سبيل النجاة والخلاص من مباهج الحياة الدنيا .
أما الزاوية الثانية التي تعني الردع بما يخالف معنى العنف ، والردع في حقيقة أمره يعني الاستعداد ، على قاعدة أن الاستعداد للحرب يمنع الحرب ، فكل مسلم ، فرداً كان أو جماعة ، يعتبر نفسه مطالباً بالاستعداد والتهيؤ في أوقات الحرب ، عملاً بسورة الأنفال " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم " وسواء عنت العنف لدى البعض ، أو الردع لدى البعض الآخر ، فإن تياراً واسعاً من المسلمين من ذوي الاتجاهات المحافظة ، يرفضون رفضاً قاطعاً وصمهم بالعنف والإرهاب ، وسواء اعترفوا بفقه ذوي الاتجاهات الراديكالية ، أم لم يعترفوا في تمثيلهم للإسلام ، فإنهم بين حجري رحى العنف الذي يمارس باسمهم ، والردع الذي لا يستطيعون من خلاله وقف طاحونة العنف ، ولأنهم لا يستطيعون فإنهم متهمون في توفير المناخ الملائم في توفيره .
كما أن الإيمان بمبدأ الفرقة الناجية من عذاب الآخرة ، وسع شقة الخلاف بين المسلمين أنفسهم ، بحيث صار كل مسلم ينظر في مرآة أحواله ، بأنه هو الناجي ، وأنه بريء مما قد ينسب إليه من أفعال يرتكبها أبناء ملته ، فلا أحد يحاسب بالنيابة عن أفعال غيره .
مبدأ الإيمان بالفرقة الناجية ، جعل قضايا التكفير والتطرف وما تنطوي عليه من أفعال عنفية ، ككرة النار الملتهبة ، يتقاذفها المسلمون فيما بينهم ، هرباً من تحمل مسؤولية ما آلت إليه أمور مجتمعاتهم من الغرق في مستنقعات دامية ، وخوفاً من أن تحرق بلهيبها المستعر ، من لم يكتوِ بعد بنارها .
Thaaer-1@hotmail.com

الأربعاء، 25 نوفمبر 2009

مأسسة الطائفية في سورية


ثائر الناشف
ليس حديثنا اليوم سرداً ذاتياً، بقدر ما هو غوص في الأعماق، وذلك بحثاً عن الإجابات للأسئلة الكثيرة التي طرحها المهتمون بالشأن السوري، وقد يطول أو لا يطول بنا المقام في استقصائها قدر ما استطعنا.
بما أن الحديث القديم - الجديد الدائر عن الطائفية في سورية ، بات محوراً لكل المتابعين ، فإننا وبكل موضوعية سنضع القارئ أمام ملاحظات حية من وحي الواقع السوري الراهن ، بما يتوافق أو يتعارض مع أطروحات النظام السوري و المعارضة ، لكن الحقيقة لا بد أن تقال ، حتى وأن كانت نسبية على مراحل متتالية ، إدراكاً منا باستحالة امتلاكها ، إلا أن الاقتراب منها ، يعني التعرف عليها وتعريف الآخرين بها .
والحقيقة أن الطائفية مثلها مثل أي عملة، لها وجهان، وجه أبيض ووجه أسود، ولا نقول وجه حسن وآخر قبيح، احتراماً لعقل القارئ ومشاعره النبيلة.
يظهر الوجه الأبيض للطائفية في كونها حقيقة قائمة في كل مجتمع إنساني على وجه الأرض ، ورغم اندراجها في خانة الأقليات ، إلا أن بياضها كناية عن الغنى الثقافي والتراثي ، فضلاً عن صور التعايش والتسامح القائمة بين أفرادها .
أما الوجه الأسود، فيتجلى في الاتجاهات التعصبية لطائفة بعينها، وذلك عبر رفضها العيش والتعايش مع الآخر، ورفضها الاعتراف بكيانه السياسي والاجتماعي ، بما يصل بها المقام إلى حد الاستعلاء الباعث على تكريس العنصرية في نهاية المطاف كأحد أوجه العصبية الطائفية .
هذان الوجهان الطائفيان يتداخلان أشد التداخل في سورية اليوم ، والدليل على الطائفية وعلى سقمها ، الذي لا يحتاج إلى طبيب أو باحث ، أنها واضحة وضوح الشمس في رابعات النهار ، لكن الجديد في المسألة ، أن الطائفية لم تعد بوصفها داء مقيتاً ، حلقة مفرغة من حلقات النظام السوري تدور في ثناياها السلطة والمجتمع في ما يشبه الشرنقة التي استحوذت على الداخل بفعل تأثيرات المحيط الإقليمي ، وهي لم توفر أحداً من مثقفي النظام ، بل غدت الطائفية ككيانات متعددة في جسم واحد ، هو جسم النظام .
فثمة كيان عسكري وآخر سياسي وثقافي وحتى فني ورياضي ، إلى الحد الذي جعل الطائفية في سورية مؤسسة قائمة بذاتها ، أي اختزال الطائفية في مؤسسات الدولة الوطنية الأولى منذ الاستقلال ( الأول ) أو لنقل مأسستها ، أي مأسسة الطائفية من خلال ترويضها وتوظيفها في مؤسسات الدولة .
كما لا يمكن تحميل تيار سياسي بعينه ، مسؤولية الإغراق الطائفي للمجتمع ، بما في ذلك حزب "البعث" ، الذي لا يملك من أمره شيئاً ، سوى أنه كان ولا زال حتى الأمس القريب واجهة من واجهات السلطة ، وبالتالي ستر عوراتها الطائفية .
بكل الأحوال ، لا يوجد أدنى مبرر لاستفحال أزمة الطائفية والتهامها لهياكل الدولة كما في الحالة السورية ، سوى الخوف من المصير المجهول الذي ينتظرها في المستقبل ، والسؤال هنا ، ما الذي دفعها ودفع النظام السوري إلى مأسسة ذاته الطائفية ، أهو الخوف من الماضي على حساب معطيات الحاضر ؟.
يعلم النظام السوري ، كما نعلم واقع الطائفة العلوية وموقعها في بنية المجتمع السوري من النواحي كافة ، كما نعلم حجمها السياسي والثقافي في الماضي والحاضر ، وهو يتساوى إلى حد كبير ما لدى الطوائف الأخرى من تاريخ وحضور كبيرين على الساحة السورية ، لكنه وبجميع الأحوال ، لا ينبغي لأحد أن يسمح لنفسه أو لطائفته بتخطي حدود الدولة باسم الوطنية أو الهوية السورية ، حتى الأخيرة باتت مزيفة بفعل الطائفية .
فما معنى أن يحمل السوري هوية لا يستطيع بها أو من دونها ، أن يصبو إلى أحلامه وأهدافه ، لتبقى من نصيب غيره ، من ذوي اللون الذي يتطابق مع لون النظام ، ولا نبالغ إذا ما قلنا ، أن الهوية السورية جرى قضمها بفعل التزييف والتهميش ، فهي ثمينة في سوق النظام ، ورخيصة في سوق السواد الأعظم .
إن الطائفية في سورية ليست حالة اجتماعية مثلها مثل الحالة اللبنانية أو العراقية ، لقد كانت بالأمس البعيد حالة اجتماعية لا علاقة لها بالدولة ، لكنها باتت اليوم حالة سياسية مقنعة ، أتت على المجتمع والدولة ككل واحد ، وأخطر ما في الأمر انتقالها المنظم من ثنايا المجتمع إلى قلب السلطة فالنظام ، ولا نعلم إلى أين ستصل مستقبلاً .
Thaaer-1@hotmail.com

الأحد، 1 نوفمبر 2009

سورية ... القمع خبز الثورة



ثائر الناشف
بالوقت الذي يمعن النظام السوري في اعتقال معارضيه ، تتوهم المعارضة السورية بمختلف أطيافها في إمكانية المصالحة معه ، أو انتظار التغيير القادم الذي في اعتقادها ينبغي أن يكون سلمياً وديمقراطياً كمحاولة منها لتجنيب نفسها وهياكل الدولة المهترئة أصلاً بفعل الفساد والاستبداد ، ومعهما المجتمع السوري من عواقب وويلات ما حصل ويحصل في العراق من كوارث ونزاعات ، فهي بذلك ، أي المعارضة ، تضع النظام والرأي العام عند حقيقة أهدافها الواضحة حول أولوية التغيير السلمي ، وبعضها الآخر لا يمانع في السير على طريق الإصلاح المتدرج الذي يروج له النظام وبالتالي المصالحة معه .
أهداف المعارضة في جملتها تكاد أن تكون إيجابية لجهة انتهاجها لمبدأ سلمية التغيير وابتعادها عن الطرق الراديكالية ، تظهر إيجابيتها في نظر المحيط العربي المتربص دائماً من أي حركة تغيير تأتي من حوله ، ويكفي ما حصل حتى الآن في دول الرابطة المستقلة ( الاتحاد السوفيتي سابقاً ) من انهيارات متتالية لنظم الحكم وثورات ملونة لعروش الفساد والاستبداد الأحمر ، غير أن هذا المحيط العربي والإقليمي وحتى الدولي ، لا يملك أدنى تأثير على حركة الشعب إذا ما أراد التحرك نحو تصحيح وتصويب مساره التاريخي ، مهما امتلك هذا المحيط من وسائل التأثير التي تحول دون حدوثه أو على الأقل تأجيله حتى إشعار أخر إلى أن تتضح صورة المشهد السياسي لمستقبل المنطقة على المدى المتوسط والبعيد .
لكن استمرار المعارضة السورية على تمثل تلك الأهداف في كل نشاطاتها وحراكها السلمي أصلاً ، لا يعني أن التغيير القادم ولو بعد حين، سيأتي بفعل تراكمية أهدافها ودعواتها غير المنقطعة لبلوغ هدف التغيير ، لأن المواجهة في الأساس ليست محصورة بين المعارضة والنظام ، وأياً كانت درجة تمثيل المعارضة لفئات الشعب السوري وحجم ومستوى ذلك التمثيل ، ستظل المواجهة قائمة في اليوم أو في الغد بين رؤوس النظام وأركانه وبين شرائح المجتمع السوري بمختلف ألوانها السياسية والعرقية التي اكتوت بنار الاستبداد والقمع التهميش والنهب والهزائم المهينة لكرامة الذات .
فلا نستطيع تصور حدوث التغيير في سورية بضغطة زر أو بعصا سحرية يملكها أحد اللاعبين الكبار على الساحة السياسية ، كما لا نستطيع تصور حدوث التغيير والشعب في حالة غيبوبة كاملة لم يستفيق منها بعد ، لذا ، لن يبشره مبشر بحدوث ما كان يتمنى حدوثه ، من دون حدوث الصحوة في ضميره ووجدانه المنقطع عن الحياة بفعل القمع الممنهج .
كما لا نستطيع أن نبحر في تصوراتنا تلك ، من دون أن نتلمس العوامل المؤدية لحدوث التغيير ، وأول تلك العوامل ، الشعور بامتلاك إرادة التغيير الجماعية وليس الفردية ، يؤازرها في المقابل ، استفاقة جماعية تؤدي إلى الخروج عن صمت المقابر ، ولعل العامل الوحيد الذي يمكن أن يؤدي إلى حدوث التغيير هو القمع .
إن القمع الممنهج الذي أصبح ديدن النظام السوري وأساس وجوده الطارئ ، لازال يمارسه منذ أربعين عاماً ، ولم يوفر أي فئة من فئات المجتمع السوري كخصم تاريخي وعدو تقليدي ، يزداد أثره وتأثيره في خلق الوعي المسلوب بفعل القمع والحرمان الناتجين عن سياسة التكميم ، من شأنه أن يؤدي إلى تثوير المجتمع بما يخالف ولو لمرة واحدة حساباته وتوقعاته المستقبلية .
لم يعد الجوع ما يدفع الشعوب نحو الثورة ضد الطبقات المُستغِلة للقمة عيشها ، بقدر ما بات القمع الذي يوغل النظام السوري في ممارسته بحق الشيوخ كما جرى مع عميد الحقوقيين العرب الأستاذ هيثم المالح ، وبحق الأطفال والنساء ، سواء كانوا من رعاياه أو من الأشقاء العرب المستضعفين في أرضهم المحتلة كما حصل مع السيدة الأحوازية معصومة الكعبي وأطفالها الخمس .
وبالرغم من نجاح النظام السوري في إحكام قبضته الأمنية على كل مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية في سورية وما يحيطها من فوضى بناءة تضرب أرجاء المنطقة العربية ، إلا أنه فشل في تقديم الصورة البراقة عنه كنظام مؤسساتي ، بقدر ما أضفى على نفسه صورة النظام الاحتلالي الذي لا تختلف ممارساته كثيراً عن ممارسات أي محتل آخر للأرض والإنسان .
يعلم النظام السوري في سره ومن وحي قراءته للتاريخ ، أن الأبدية التي يرفع شعارها عالياً ليست من صفات الإنسان ، مهما طغى وتجبر على أخيه الإنسان ، وأن مياه النهر الراكدة ، رغم السدود والموانع ، لن تبقَ على حالها من دون أن تدفع بها مياه أخرى أشد وأقوى غزارة إلى مكان يليق بركودها الطويل .
ويعلم أيضاً ، أنه وبسلوكه القمعي ، يؤسس لتلك اللحظة التاريخية الفارقة التي ستكون بمثابة الصدمة الكهربائية أو لنقل الحجر الذي سيحرك مياهه الراكدة ، والباعث بكل الأحوال على المواجهة الساخنة بين القامع والمقموع ، بعيداً عن كل الاعتبارات السياسية الأخرى ، ومقولات التغيير الناعمة .

السبت، 17 أكتوبر 2009

هل وفاء سلطان علمانية ؟


هل "وفاء سلطان" علمانية ؟
ثائر الناشف
قبل أن نذهب إلى الصيغة المناقضة لصيغة هذا العنوان، وهو هل " وفاء سلطان" مسلمة ؟ لا حاجة لنا للتعريف بها ولا الوقوف عند منطقها الرومانسي ، فليس ما نكتب من قبيل الاختلاف بالرأي ، بقدر ما هو تحليل لأعماق شخصيتها ، التي لطالما فتحت أبواب الجدل على مصراعيها وأثارت الزوابع في النفوس ، لا سيما عندما شرحت الإسلام كعقيدة سياسية - كما تسميه - من واقع طائفي سنأتي على ذكره وتفصيله لاحقاً .
وحجتها دائماً باسم العلمانية، لكونها تبيح للآخر حق النقاش والجدال وسبر أغوار الأديان على اختلافها في محاولة منها، أي العلمانية الغربية دون الشرقية، إظهار رجعية الدين ودوره في تكبيل الإنسان بأساطير وغيبيات تحد من تقدم
وتطور الكون .
دائماً باسم العلمانية ، التي لم تأخذ حقها في التعريف الدقيق ، حتى لدى العلمانيين أنفسهم ، فكيف الحال لدى الإسلاميين على اختلاف مشاربهم ، تحاول
" وفاء سلطان" جاهدة إضفاء اللون الرمادي على الإسلام ، وهو ما لم يفعله غيرها من أبناء الغرب ومثقفيه ، أي سعيها الحثيث للخلط بين الأبيض والأسود في تقديم تاريخ الإسلام ، وخلق منطقة رمادية تنعدم فيها الرؤية على المؤمن ، أياً كان إيمانه ، وعلى العلماني في فهم الإسلام وقراءة واقعه ، وبالتالي حصر الرؤية من خلال منظورها الشخصي فقط .
منظورها الشخصي، يقودنا إلى طرح السؤال بصيغته الأولى، هل " وفاء سلطان" علمانية ؟ هذا السؤال المركزي يدفعنا قبل الإجابة عليه إلى الخوض في اكتشاف جذورها الأولى ونشأتها الاجتماعية، قبل البدء في رمي السهام جزافاً كما يفعل البعض من دون طائل.
إن " سلطان" ، عندما شرعت في تشريح الإسلام بمشرحها كطبيبة ، انطلقت في تشريحها من واقع تاريخي خاص بها وبالطائفة والمنطقة التي تنحدر منها ، وليس من واقع كونها مسلمة كما تقول ، وهي بذلك نفت عن نفسها سمة العلمانية ، والأمر الآخر، أنه لطالما كان للعلمانية اتجاهات فكرية وتيارات سياسية ، فحتى الآن لم تفصح " سلطان" عن ماهية اتجاهها ولا تيارها ، فلا هي يسارية في علمانيتها ولا ليبرالية ولا حتى قومية .
لنفترض جدلاً أن " وفاء سلطان" كانت علمانية ، وأن تشريحها للإسلام ينبع من واقع حسرتها عليه كمسلمة سابقاً ، وأيضاً من واقع كونها تعيش الآن في قلعة الحداثة الأميركية حيث للقوة العلمية العسكرية عظمتها ، والسؤال الاستفهامي ، لماذا تفتحَ عقلها في أميركا ولم يتفتح في مسقطها بسورية ، هل الأمر يعود إلى مجرد انبهارها بعظمة التطور الأميركي ،أم لهامش الحرية الفردية والاجتماعية الذي لطالما افتقدته في سورية ؟.
لو كان الأمر يتعلق بعظمة الحداثة ، لكنا أمام مئات بل ملايين الحالات على شاكلة حالة "سلطان " ، أما إذا كان يتعلق بالحرية ، وهذا ما نعتقد ، فإن عليها ومن موقع تمتعها بالحرية ، أن تتمناها لأقرانها في سورية ، من خلال الدعوة الصريحة إلى منافحة ومقارعة الاستبداد السياسي والطائفي الذي تعيشه سورية ، منذ لحظة خروجها وأبعد ، فلماذا الانكباب في تشريح الإسلام ، التغاضي عن تشريح الاستبداد ، أليس الاستبداد السياسي هو المسؤول المباشر عن تقهقر المجتمعات ، وتخلف حال المسلمين عن اللحاق بركب الحداثة الأميركية ؟.
ولطالما تحدرت " وفاء سلطان" منذ نشأتها الأولى من منطقة الساحل السوري ، الغني بثرواته الطائفية والمذهبية ، فهذا يقودنا أيضاً إلى الوقوف عند حقيقة علمانيتها ، ولا نملك أن نشكك في إيمانية أي مذهب من مذاهب الإسلام التي تنتشر في الساحل السوري ، لكننا من واقع كوننا سوريين ، فإننا أعرف ما بداخل بيتنا أكثر من غيرنا ، وبالتالي من حقنا أن نتساءل ، ما الفرق بين علمانية "وفاء سلطان" وعلمانية حافظ الأسد وصلاح جديد المقنعة ، الذين ينحدرون جميعهم من نفس المنطقة في سورية ؟ أليست علمانية " سلطان" مقنعة هي الأخرى بواقع الطائفية المرير ؟ وعليه ، فان انتقادها للإسلام ، ليس نابعاً من الشعور بهدف التقويم والتجديد ، بل من واقع أن الإسلام لم يعترف بها ، كما تفعل بعض المرجعيات الشيعية إزاء التنصل من الاعتراف بالنصيرية أو العلوية ، أو ما تفعله بعض الجماعات السلفية لجهة التكفير، وهذا بحد ذاته خطأ جسيم يحسب على المسلمين سنة وشيعة ، أو لأنها أصلاً لا تعترف بالإسلام من واقع تقوقعها داخل حفرة طائفية ضيقة ، لا تقبل الانفتاح على محيطها العربي والإسلامي على حد سواء .
فحافظ الأسد الذي تلحف في بداية حياته السياسية بغطاء القومية العربية كحركة علمانية ، لم يتردد في توريث الحكم لنجله خوفاً على ضياع حقوق الطائفة العلوية ، وهو بذلك عاد وتقوقع في واقعه الطائفي الذي انطلق منه باسم علمانية البعث العروبي ، وهذا يدفعنا إلى التساؤل مرة أخرى ، هل تحصيل العلم في أميركا هو الذي دفع " وفاء سلطان" إلى التخلي عن الإسلام ، أم أن واقعها الطائفي حتم عليها الخروج دائما وأبداً عن الإسلام ؟ .
ولرب قائل يقول ، إننا شططنا بعيداً في استنتاجاتنا ، ولا صحة البتة في الربط بين الطائفية والعلمانية ، نقول ، إذا كان ماركس نبي الاشتراكية ، فإن ربها ، أي رب الاشتراكية العلمية ، هو صلاح جديد الذي ضحى بكل مواقعه السياسية والعسكرية في سبيل تطبيقها ، ومع ذلك لم يتردد في القول من واقع طائفي مرير لا يمت للاشتراكية ولا للعلمانية بأي صلة أو رابط ، أنه سيجعل مسلمي سورية ويقصد سنتها ، يتصدقون الملح .
رغم تلطي البعض باسم العلمانية ، والوقوف خلف ستارها الطويل ، فإننا كمجتمعات شرقية ، حتى لو حملتنا أحلامنا للعيش في ربوع الغرب ، لم نصل بعد إلى فهم المغزى الحقيقي للعلمانية ، التي تعني بحسب ما اعتقد ، الحرية والقانون والحياة ، بعيداً عن الغوص في الدين ، ولا يمنع إذا ما تعارض طريق الوصول إلى الحرية والقانون مع طريق الدين ، أن تشرع العلمانية في تقويم الدين وتجديده ما أمكن ، فعندما تخلى عالم النفس سيموند فرويد عن يهوديته ، لم يتخلَ عنها من واقع كرهه للديانة اليهودية ، إنما استمراراً في طريق العلم الذي قاده إلى اكتشاف بواطن النفس والانكباب في دراستها ومعالجتها معالجةً علميةً بعيدة عن طرق السحر والشعوذة التي كانت سائدة في عصره ، الأمر الذي اقتضى ابتعاده عن الدين ، لغاية هدف أسمى حمله للبشرية جمعاء ، ألا وهو اكتشاف النفس الإنسانية .
إن جوهر المشكلة ولبها لدى الأقليات في الشرق الأوسط ، أن بعضهم يقنع الطائفية بقناع العلمانية تارة ، وبقناع الدين تارة أخرى ، فهم بذلك يناقضون أنفسهم في كلا الأمرين .
كاتب عربي
Thaaer-1@hotmail.com


دمشق - طهران .. والسير في حقل الألغام




بعد نجاح سياسة الابتزاز التي أصبحت من اللوازم الأساسية لسياسة النظامان السوري والإيراني تجاه منطقة الشرق الأوسط الموبوءة بالأزمات المشتعلة ، يجري التلويح بين الحين والآخر بصيغة ، أنه لطالما كانت مفاتيح الحل بيد دمشق وطهران ، فإن عواصم القرار الدولي والإقليمي ، ستحط رحالها تباعاً في عاصمتي التأزيم والحل ، كما جرى مع الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي بخصوص أزمة الرئاسة اللبنانية ، ومع الغرب بخصوص الملف النووي الإيراني .
دمشق وطهران ، نجحتا وبدون أدنى شك في إتقان سياسة خلق الأزمات ، بما يشبه الفوضى البناءة ، ومن ثم بيع الحل لمن يهمه الأمر بأثمان مختلفة ، فسياستهما تقارب في كثير من الأحيان حافة الهاوية ، فهما كمن يزرع ألغاماً في حقل يتجه طريقه نحو الأمام ، فلاهما يستطيعان العودة إلى الوراء ، ولا غيرهم يستطيع التقدم للأمام ، نظراً لخطورة الألغام ، وانعدام معرفتهم بخريطة انتشارها .
وبما أن الكوارث الناجمة عن تلك الألغام ، خطيرة وكبيرة وضحاياه كُثُر ، فإن مصلحة الآخرين في نزع فتيلها تبدأ أولاً من مفاوضات هدفها النهائي ، الحل مقابل الثمن ، والحل يتجلى في نزعهما للألغام ، التي قاما بزرعها في لبنان حيث يوجد حزب الله ، وفي اليمن جماعة الحوثي ، وفلسطين توجد حماس ، وفي العراق خليط لا ينتهي من الألغام ، عدا عما يوجد في السودان الخليج العربي .
هذا بالنسبة لطريق الحل، أما الثمن المطلوب تقديمه، يتأكد في ضمان عودتهما من الضفة الأخرى فوق حقل الألغام، كقوة إقليمية لا يستهان بقدرتها، والاعتراف بدورهما المباشر في المنطقة.
لعل المصالحة العربية التي لم يكتمل عقدها بعد ، تدخل في إطارها العام ضمن النيات الحسنة لمن تمناها لصالح المنطقة ، لكن اكتمالها لازال مشروطاً حتى الساعة بالتفاهم على رزمة القضايا ، قبل الشروع في تنقية الأجواء ومصارحة النفس ، لهذا بدت المصالحة على هيئة مصالحات ثنائية ، لأجل المصالح أولاً ، وليس لأجل الصالح العربي أو الإقليمي .
ولطالما كانت ملفات المنطقة كثيرة ومتشعبة ، فإننا أمام عدة حقول ، لكل حقل منها خفير إقليمي يتلقى إشارة البدء أو التوقف حسب المناخ السياسي ، والمثير في الأمر ، أن مبدأ الفوضى البناءة الذي أطلقته إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش ، جار العمل به ، ليس من إدارة الرئيس اوباما التي تبحث عن المخرج الملائم بعدما ضمنت مصالحها ، بل من دمشق وطهران اللتين تقفان ظاهرياً في الاتجاه المعاكس لخط واشنطن ، وعملياً تجلسان أمام طاولة التفاهم معها أو مع من ينوب عنها .
تلك هي سياسة الابتزاز الخشنة بعدما تلبدت سياسة القوة الناعمة ، وعلى المنطقة التآلف معها ما أمكن .
كاتب عربي
Thaaer-1@hotmail.com

السبت، 12 سبتمبر 2009

الإسلام كقنبلة بشرية


ثائر الناشف
علينا أن نسأل أنفسنا ، مَن الذي دفع مثقفو الغرب وفنانوه إلى رسم الإسلام الموروث ديناً وثقافةً عن الآباء والأجداد على هيئة قنبلة بشرية موقوتة ينذر خطرها بنسف كل مَن هو حولها كأناً من كان ؟ فهل اندفاع هؤلاء المثقفين والسياسيين الغربيين في تشريح الإسلام ، ولا نقول نقده ، انطلاقاً من ثقافتهم التي تبني على الشيء ومقتضاه ، أم أنها ردة فعلهم المباشرة التي خرجت عن سياقاتها الطبيعية في تناول الإسلام ، ليس بصفته كدين ، بل كحالة إيديولوجية تبعث على "العنف" وتحض عليه انتقاماً لاختلال موازين الحضارة وانحراف بوصلتها باتجاه عواصم الغرب .
بهذا الاتجاه المُؤسَس على موازين الحضارة ، تبدو حضارة الغرب ، ولطالما كانت لها الغلبة ورجحان الكفة ، باعثةً على الحياة وصانعةً لها ، بما يقابلها في الكفة الأخرى ، حضارة الإسلام ، لما هي في حالة تقهقر وانزواء دائمين ، إلا ما خلا من تراثها المتمثل باللغة وآدابها ونصوصها ، تبدو وكأنها صانعة للفوضى على هيئة قنبلة بشرية ، تحملها رؤوس المتشربين بإيديولوجية الإسلام كدار حرب وولاء وبراء ، وليسوا كمسلمين مؤمنين بعقائده وأركانه .
ووفقاً لذلك التشريح العملاني ، غدا الإسلام من الناحية النظرية في منحنيين ، منحى إيديولوجية الإسلام ، ومنحنى عقائدية الإسلام ، ونظراً لغياب التواصل الفكري والثقافي بين عموم المجتمعات الغربية والشرقية ، فإن نظرة تلك المجتمعات الغربية للإسلام ، متشابكة من حيث خلطها بين المنحيين السالف ذكرهما ، لينتهي بها الحال إلى تصوير الإسلام كقنبلة بشرية موقوتة ، خطرها يتعاظم يوماً بعد يوم ، ولا سبيل لنزع فتيلها إلا بحربها الكونية على ما تسميه "الإرهاب" .
وهذا يقودنا إلى سؤال الأخلاق ، وفيما إذا كانت الأخلاق الإنسانية تبرر هكذا تقسيم اعتباطي للإسلام ، فضلاً عما إذا كانت تبرر أيضاً ذلك السلوك الانتحاري ، الذي يبدو أكثر اعتباطاً ، ربما لأنه يعطي المقدمات الأساسية لمثل ذلك التقسيم ، الذي يدفع الجميع ثمنه بلا استثناء .
وسواء بررت الأخلاق ذلك التقسيم أم لا ، فإننا لا نستطيع أن نجرم بشكل قاطع ، موقف الأخلاق النهائي ، لذا يغدو من المستحسن ، على الأقل في هذه المرحلة ، تحييد الأخلاق بالحد الأدنى ، التي على يبدو لم تستطع حتى الآن أن تفعل فعلها الضابط للسلوك البشري في غابة صراعه الأسطوري ، على الرغم مما ينضح به الإسلام من أخلاق في الدين والدنيا وفي المعاملات والعبادات ، وما تعج به جامعات الغرب من العلوم الإنسانية في مجال الأخلاق وأصولها ونظرياتها الأولى .
ولاستحالة الركون على أرضية محددة ، وضيق الهامش في الإشارة إلى قلب المشكلة ولبها ، نعود مرة أخرى إلى السياسة ، وقد يقول قائل ، لا مناص من السياسة كواقعٍ حتمي لكل صراعٍ بشري ، ولا بد من العودة إليها في كل الأحوال لفهم طبيعة الصراع الأبدي والوقوف عند أسبابه ومسبباته .
وإن كانت القضية في جوهرها مرتبطة بالسياسة ، فمن المنطق وليس بشيءٍ من التبرير ، اعتبار كل ما تقوم به الجماعات الإسلامية الحالمة ببسط إيديولوجيتها من خلال ما تقوم به من أعمال مسلحة على الإسلام الآخر - "إسلام المجتمعات"- ينضوي في إطار الصراع على صوابية فكرها المتشرب بإيديولوجية مغالية في إيمانيتها الماضوية ، لدرجة نسفها للأخر وتعطيل سعيه الحثيث نحو الحياة .
ومن غير المنطقي أن يتساوى " إسلام الجبال" مع " إسلام المجتمعات" ، أو أن يحمل أحدهما وزر أعمال الآخر ، فتواصل الحوار مع الآخر ، من شأنه أن يزيل الغموض والإبهام المتكون عن صورة الإسلام كدين وبنفس الوقت يعرفه كثقافة حياة ، بدلاً من تعريفه النمطي كقنبلة بشرية تنتظر ساعة الصفر، كما يحول دون ذلك التقسيم الاعتباطي ، وأما انعدامه ، سيعني مزيداً من التقسيم والتشريح الذي ينتهي به المطاف إلى صورة قنبلة بشرية .
Thaaer-1@hotmail.com

الاثنين، 31 أغسطس 2009

النظامان السوري والإيراني : صناعة الفوضى


ثائر الناشف
بُعيد انتهاء العمليات العسكرية في العراق عام 2003، روج النظام السوري في أوساطه الأمنية ، أن الدور القادم عليه ، ولابد من التحرك في الاتجاه المعاكس ، وهو ما ساهم في فتح أبواب العنف على مصراعيها منذ اليوم الأول للحرب الاميركية على العراق ، تحت مسمى دعم "المقاومة" والمجاهدين ، وكأن العراق بحاجة إلى مَن يقاتل عنه ويذود عن أرضه ، وهو الذي لم يصدق نفسه في التخلص من نظام صدام حسين .
الأجندة الأمنية ولا نقول السياسية ، بين دمشق وطهران هي ما تفسر التدخل المستمر في الساحة العراقية واللبنانية والفلسطينية من خلال استخدام بعض التنظيمات المتطرفة كـ"القاعدة" و"حزب الله" و"حماس" في تنفيذ سلسلة من المشاريع الانقلابية وذلك بغرض صنع المشكلة ومن ثم إيجاد الحل بانتظار قبض الثمن ، وقد ألمحت طهران بذلك في جلسات الحوار مع أميركا ، ولم تتردد في الإفصاح عن أملها بملء الفراغ العراقي .
رغم الافتراق الواضح في المصالح السورية والإيرانية حول العراق ، إلا أن الهيمنة الإيرانية على دوائر صنع القرار السوري وارتباط الأجهزة الأمنية السورية بحليفتها الإيرانية ارتباطاً عضوياً مباشراً ، تتحكم طهران في توجيه مسارها وتحديد أدوارها ، جعلت أمن النظام السوري جزءاً لا يتجزأ من أمن النظام الإيراني ، وقد وصل في أحد وجوهه إلى حد رفع الأعلام الإيرانية وصور مرشدها الأعلى في أهم المعالم التاريخية لدمشق.
ألا يعني قولُ الرئيس السوري بشار الأسد لصحيفة لاريبوبليكا الإيطالية، إنه لا يجب أن ينظر إلى الدور الإيراني في العراق بطريقةٍ سلبية ، اعترافاً غير مباشر بوجود هذا الدور الذي تعدى دور المحتل الاميركي نفسه ، و هل الخوف على استمرار سلطة النظام السوري في دمشق تبرر الدخول إلى بيت الجار العراقي ولو من باب الفوضى .
إن رد النظام السوري على ادعاءات الحكومة العراقية التي اتهمته بإيواء مخططي ومنفذي تفجيرات الأربعاء الأسود ، بأنها غير أخلاقية ولا تستند إلى المنطق السياسي ولا القانوني ، كذر الرماد في العيون والضحك على الذقون ، فعندما يحاجج النظام السوري من باب سد الذرائع بأنه أكثر من كافح الإرهاب في عقد السبعينات والثمانينات ، فكيف للبعض أن يتهمه بدعمه وإيواءه اليوم ، لنا أن نساءل في عجالة لتتضح معالم الصورة من جميع الجوانب ، أي إرهاب كافح ؟ هل لي ذراع الفصائل الفلسطينية في جنوب لبنان وعلى رأسها حركة فتح ، نوع من مكافحة الإرهاب ، ولصالح مَن ؟ أم أن مكافحة الإرهاب تجلت في تدمير مدينة حماة عن بكرة أبيها على يد ميليشيا الجنرال رفعت الأسد ، لخلاف مع جماعة الإخوان المسلمين كان بالإمكان احتواءه لو ترك للعقل مكاناً وسط غرائز العنف الهائجة .
ولطالما رفض النظام السوري التعاطي مع عراق ما بعد صدام من قبيل الحفاظ على "المصلحة القومية" التي ترفض الاعتراف بشرعية الواقع السياسي المنبثق من رحم الاحتلال ، فما الذي حمله على الاعتراف بهذا الواقع ، أهي الضغوط الاميركية التي ما فتئت تطالبه مراراً وتكراراً في تغيير سلوكه المتماهي مع السلوك الإيراني سواء في العراق أو لبنان ، أم أنها ضرورات التحالف مع إيران ، التي تبيح فعل المحظورات ، وهذا يقودنا إلى السؤال عن التضامن العربي الذي ينادي به النظام السوري قبل غيره ، والذي من المفروض أن يضع حداً للتدخلات الإقليمية في حدها الأدنى.
لقد كشفت الغارة الاميركية على بلدة البوكمال في أقصى شرق سورية على الحدود مع العراق ، وما تسرب عنها من معطيات ، بعضاً من الحقائق المتعلقة بدعم وتأييد تنظيم القاعدة، لكن السؤال الأبرز، كيف تلاقت إيديولوجية النظامين السوري والإيراني مع فكر القاعدة في العراق ؟ والأهم من ذلك ، هل توقف هذا التلاقي عند حدودٍ معينة .
يبدو أن النظام السوري لم يتعلم من الدرس اللبناني جيداً ، وينسى أن الذين أخرجوه من لبنان هم أصدقاء الأمس ، وأن حكومة بغداد التي أحرجته أمام العالم وفاجأته بالأدلة ، من ضيوف معارضة نظام صدام .
أخيراً ، قد يكون مفهوماً شكل الفوضى التي تقوم بها إيران في العراق على طريق تحصيل الثأر التاريخي والقومي والمذهبي ، لكن ما هو غير مفهوم ، احتضان النظام السوري لمليون ونصف لاجئ عراقي وبذات الوقت يوغل في الدم العراقي ، متناسياً جولانه المحتل منذ عام 1967 .
Thaaer-1@hotmail.com




الأحد، 30 أغسطس 2009

العراق الجاني والمجني عليه


ثائر الناشف
من يتحمل مسؤولية العنف والفوضى في العراق ؟ على إثر هذا السؤال تتوزع المسؤوليات بين القوات الاميركية والحكومة العراقية ودول الجوار الإقليمي وخصوصاً إيران والنظام السوري .
لكن ، ألا يمكن تحميل العراقيين أنفسهم مسؤولية ما آلت إليه أوضاع بلدهم ؟ فمن الذي أجج نار الطائفية وشكل الميليشيات المذهبية وأقام الحواجز الإسمنتية بين المدن والقصبات ، أليسوا العراقيين أنفسهم ، ومَن الذي سلم مستقبل بلده للمرجعيات الدينية ، أليسوا العراقيين ؟.
بالمقابل ، إذا كان البعثيين والصداميين هم مَن قام ويقوم بكل هذه العمليات التفجيرية ، وعلى الخط الآخر تنظيم القاعدة ، لجهة القيام بالعمليات الانتحارية ، أليس هؤلاء عراقيين ؟ ولماذا كل هذه الجلبة والضجة الإعلامية ، بالقول إن المفجرين والانتحاريين يتسللون إلى أرض العراق من دول الجوار ليعيثوا به قتلاً وفساداً ؟.
قد يكون بعض هؤلاء الانتحاريين ليس من العراق ، كتنظيم "أبو مصعب الزرقاوي" ، لكن ماذا نقول عن " أبو غادية" وجماعة "جند السماء" ، ومن يدعي أنه المهدي المنتظر ، أليس العراق مَن يجني على نفسه قبل أن يجني عليه الآخرون ؟.
إذا ما ذهبنا إلى القول إن العراق جنى على نفسه كما جنت براقش على أهلها ، قد يتهمنا البعض بالتعدي على أعرق حضارة عرفها التاريخ الإنساني ، حضارة أرض الرافدين ، التي تحولت مسرحاً لتصفية الحسابات الإقليمية والتاريخية .
الحضارة في نظر بعض سفسطائيي العراق ، لا تنتج العنف ولا التطرف ، فمن أي حضارة هبط الصداميين والصحويين والصدريين ، ألم يأتوا من الرحم العراقي ، مثلما أتى المتنبي وأبو النواس من ذات الرحم .
إذن ، العنف في العراق ليس وليد لحظة سقوط نظام صدام حسين ولا بدخول القوات الاميركية إليه ، إنما هو حالة قديمة قدم العراق والحضارات التي تعاقبت على أرضه ، فلم يذق هذا البلد طعم السلم إلا في فترات قصيرة متباعدة .
ولا يفوتنا أن العنف لم يوفر آل بيت رسول الله (ص) وهم في مراقدهم ، كما حصل مع مرقد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري رضي الله عنهما في سامراء قبل ثلاثة أعوام ، وقبله بمئات السنين شهد العراق أكبر عملية اغتيال سياسي في التاريخ الإسلامي للإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ونجله الإمام الحسين عليه السلام ، بغض النظر عن المنفذ والدوافع السياسية التي دفعته آنذاك ، ولازال هذا الاغتيال الدامي يلقي بظلال من العنف يدفع المسلمون ثمنه الأكبر .
وبالنظر إلى النصف الممتلئ من الكأس ، يظهر جلياً أن الحسابات التاريخية الضيقة لإيران ، مازالت تتمترس خلف ذهنية الثأر والانتقام منذ آلاف السنين ، وهي الآن تفعل فعلها الانتقامي في العراق ، الذي خاض معها أشرس الحروب على مر التاريخ البشري .
عندما يكون العراق في حالة ضعف ، تكون إيران في حالة انتقام للتاريخ الذي تفتت فيه عروش أمبرطوريتها العظمى ، هذه المعادلة الخاضعة لتوازن القوى الإقليمي ، يُجنى فيها على العراق أكثر مما يجني على نفسه ، إذا ما استبعدنا منها توازن المصالح الحزبية والمذهبية .
أما عندما يكون النظام السوري في زواج مقدس مع ملالي قم ، فلا غرابة أن تتوحد أجندتهما السياسية في زعزعة العراق تمهيداً لملء فراغه .
Thaaer-1@hotmail.com

الجمعة، 28 أغسطس 2009

حماس على طريق الإمارة


ثائر الناشف
قد يكون مفهوماً أن يغدو قطاع غزة حكراً على حماس وحدها ، لكن غير مفهوم أن تطعن بشرعية الفصائل الفلسطينية التي سبقتها في حمل راية المواجهة مع إسرائيل ، بمعنى أن المراحل التي سبقت ظهور حماس على الساحة لا يعتد بها من وجهة نظرها ، ابتداءً من منظمة التحرير الفلسطينية إلى ما هو عليه الحال اليوم .
والحال في الضفة والقطاع أسوأ بكثير من الحال داخل الخط الأخضر ، والذي قد يكون أهله في نعيم لا يقاس أمام جحيم انقسام الأخوة داخل أراضي عام 1967 ، على الأقل لا يوجد داخل الخط الأخضر انقلابات ولا تصفيات أو سجون بين الأخوة ، حتى لو مارسها الاحتلال على شكل اجتياحات وتوغلات واغتيالات ، فان أثرها أقل وقعاً على النفس ، لاسيما عندما يمارسها الأخ تجاه أخيه .
فماذا يمكن أن نسمي رفض حماس الاعتراف بشرعية المجلس الوطني الفلسطيني واللجنة التنفيذية المنبثقة عنه ، وبذات الوقت تقاتل لأجل الاحتفاظ بنصيبها من سلطة أوسلو ، فهي تقبل الانضواء في عملية أوسلو ، إذا ضمنت لها الفوز في الانتخابات التشريعية بأغلبية ساحقة ، وترفض الاعتراف بمنظمة التحرير إذا لم تكن مفصلة على مقاسها ، أي أن يكون لها حصة لا تقل عن حصتها في الحكومة .
حماس تريد اختزال القضية الفلسطينية بمصائب غزة وأهوالها ، أي الظهور بمظهر "الممانع" لكل أشكال الحصار ، و"المقاوم" لكل الحروب ، والآخرين في الضفة والشتات ليسوا سوى أجراء للاحتلال يلهثون وراء سراب السلام الخادع .
إذن ، يحق لحماس أن تفعل بغزة ما تشاء ، ولا يحق لغيرها أن يحرك ساكناً ، فهي تمنع أي فلسطيني ينوي السفر إلى الضفة بداعي مشاركة إخوانه في مؤتمرهم العام كما جرى مع مؤتمر فتح السادس ، وهي تمنع حجاج بيت الله الحرام من مغادرة أراضي القطاع إلى مصر ومن ثم إلى الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج ، إذا كان موقفها السياسي لا يتطابق مع موقف سكان الضفة وتالياً مع موقف مصر ، وهي تخلق المناخ الملائم لنمو التطرف جراء الحصار والإغلاق وفقدان الناس لمصدر رزقهم وعيشهم من المساعدات والإغاثة الأممية ، فضلاً عن فقدانهم لرواتبهم من بنوك الأسرة الدولية ، وآخر صور هذا التطرف تمثل بظهور جماعة أنصار جند الله وإعلانها القطاع إمارة إسلاموية .
وبالمقابل ، لماذا تستحي حماس الإعلان عن إماراتها الإسلاموية على أنقاض ما دمرته آلة الحرب في غزة ؟ هل لأن ذلك يغضب الحلفاء في دمشق وطهران خشية من إثارة مخاوف دول الجوار وعلى رأسهم مصر ولبنان والأردن من حتمية ولادة ولاية حزب الله في لبنان أسوة بإمارة حماس ؟ إذا كان هذا التحليل صحيحاً ، فإن حماس تلعب لعبتها بصمت وتسير على طريق الإمارة بتأنٍ وتمهل ، ولأجل ذلك تصارع الوقت ، أكثر مما تصارع إسرائيل ، لتثبيت وتعضيد أركان إمارتها الفتية ، وهو ما يفسر تعثر جهود الحوار الوطني في إنجاز المصالحة المرجوة .
Thaaer-1@hotmail.com





الجمعة، 21 أغسطس 2009

الزعامة من حصة الأسد

ثائر الناشف
ما الذي دفع بشار الأسد إلى رفع سقف تصريحاته رداً على تدخل الغرب في انتخابات الرئاسة الإيرانية ؟ سؤال قد يبدو للبعض غامضاً ، لكنه في حقيقة الأمر ، لا يعدو كونه شعوراً بـ"النصر" ، النصر في إجراء الانتخابات الإيرانية ، وفوز احمدي نجاد ، ولو عن طريق تزوير إرادة الناخبين والتغرير بهم ، والنصر في اعتقال واحتجاز مئات المحتجين على الانتخابات ، والنصر على النصر ، لا يعني سوى النصر على الوهم .
يبدو أن الأسد يحذو حذو تصريحات نجاد النارية التي عزلت إيران عن محيطها الدولي ، وبذات الوقت أعادت انتخاب نجاد رغماً عن أنف الإيرانيين وبمباركة وتأييد المرشد الأعلى ، وهو ما يفسر الوحدة التي تغنى بها الولي الفقيه في حضور الأسد .
أياً كانت خطب نجاد ، وفي أي اتجاه ذهبت ، فإن الأسد أشد حرصاً على عدم استفزاز الغرب وتوتير العلاقة معه ، فالملفات التي في يده ، هي ذاتها في يد طهران ، ما يجعل هامش المناورة حكراً لدى الأخيرة وحدها ، فإذا ناور الأسد ، فإنه يناور على حسابها ، وإذا صرح ، فإنه يصرح باسمها ، وهذا ما حصل في زيارته الأخيرة لها .
تراكم الملفات العالقة بين إيران والغرب ، سيصار إلى التحرك صوبها إن عاجلاً أو آجلاً ، ولا يعني التحرك إذا ما جرى ، نصراً مؤزراً كما تحب أن تفهم ، ويشاركها الأسد هذا الفهم الخاطئ ، أو لنقل فهم استباق الأمور قبل وقوعها على أنها نصر مبين ، للتقليل ما يمكن من الخسائر والتنازلات المتبادلة حول تلك الملفات وعلى رأسها الملف النووي والعراقي .
وبالعودة إلى السؤال الأول ، تبدو الإجابة عنه متشعبة وتطرح في داخلها احتمالات عديدة ، قد يكون الأسد حصل على ما كان يريده من زيارة رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي ، وقبلها زيارة الوفد العسكري الاميركي ، وقد يكون انتابه شعور بالزعامة الإقليمية ، وهو يرى أعمدة الدخان ترتفع في كل بقعة ، حتى في طهران التي ارتبط بها ارتباطاً عضوياً ، فيما دياره منيعة في وجه العواصف .
لطالما ورث الأسد الابن أبيه في السلطة ، فلماذا لا يرث الرئيس جمال عبد الناصر في الزعامة ؟ لاسيما وأن الأسد الأب ، فعل المستحيل لسحب بساط الزعامة من تحت أقدام عبد الناصر ، لكن من دون جدوى ، رغم هزيمتهما المدوية في حرب الأيام الستة 1967 .
أمنية لم تتحقق للأب فما الذي يحول دون تحقيقها للابن ؟ ما يحول أن عصرنا هذا ، ليس عصر الزعامات المهزومة ولا المأخوذة بأبهة النصر الإلهي ، فالزعامة الحقيقة تجيب عنها وكالة أنباء النظام السوري التي تغاضت عن إيراد تصريحات رئيسها كاملة ، وهي أن لا تصرح شرقاً وتلحس بطرف لسانك ما صرحت غرباً .
Thaaer-1@hotmail.com

الخميس، 18 يونيو 2009

الإخوان المسلمين : الوجه الآخر للشيعة


ثائر الناشف
لا يختلف الأمر كثيراً بين تيارين إسلاميين حركيين ، وأن تباينت الفروق المذهبية بينهما أو زاد حجم التمثيل الشعبي لأحدهما على الآخر ، وهو دائماً يميل لكفة الشيعة السياسية في أكثر من بلد ، المهم أن الجوهر واحد ، ألا وهو الحركية السياسية التي تتخذ من الدين الإسلامي ومن رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم منطلقاً لها في محاججة المخالفين لها فكراً وتعبيراً ، من خلال الادعاء أن الإسلام الذي تتحرك على أرضيته هو دولة قائمة بحد ذاتها سواء في المدينة المنورة بالنسبة للإخوان أو في الكوفة بالنسبة للشيعة السياسية .
على أن الإشكالية ليست محصورة في هذا المجال ، فالمدينة التي شيدت في عهد النبي محمد (ص) شيدت مثلها كذلك في عهد الأنبياء الآخرين ، والغريب أنها لم تشيد الآن في عهد مَن يدعون أنهم على خطه ونهجه ، فأين المدنية التي يدعي الإخوان والشيعة بناءها ؟.
أما الحركية التي تعني تركيب الدين على سكة السياسة المتموجة والمتغيرة بشكل دراماتيكي ، مثلما سبق وحصل في عهد المعتزلة ، فهو أسلوب يقارب ما حصل في أوروبا المظلمة قهراً وقسراً ، رغم الفصل الظاهر بين سلطة البابا الروحية وسلطة الملك الزمنية ، لكنها عند الإخوان مندمجة في أن معاً ، وهذا يستحيل في عقيدة الإسلام الذي هو غير المسيحية ، فالعصور المظلمة انتهت إلى غير رجعة بعد أن ساد عصر الصناعة ، والاستخفاف بالعقول والضحك على الذقون ولى زمانه في عصر الفضاءات المفتوحة والقرية الكونية الصغيرة ، وهذا لا يعني رضوخاً أو إقراراً لواقع الحدود السياسية التي أقرتها معاهدة فرساي 1919 ، لكنه إقرار من أوروبا نفسها أن مقولة استعادة ملك السيد المسيح الذي كانت تجيش الجيوش باسمه ، انتهى عند سعي كل دولة نحو مصالحها السياسية والاقتصادية .
فلماذا يتوهم الإخوان بعودة الخلافة الإسلامية كما يتوهم الشيعة السياسية في التأسيس لولاية الفقيه ويكفرون كل مَن لا يؤمن بها ، والسؤال هنا هل كان الخلفاء – باستثناء الخلفاء الراشدين – صلحاء أم طلحاء في أمرهم إلى الحد الذي انهارت فيه الأندلس وغيرها بفعل خلافات ضيقة وصراعات متوالية على العرش ؟ من دون أن ننسى ولاية الفاطميين والحمدانيين ، رغم كل المظاهر الحضارية التي رافقت مسيرتهم لكنها لا تتعدى سوى النذر اليسير مما ساد في عهد الراشدين الذين من بعدهم تكاثر ربان السفينة .
فهل أصبح محرماً مجرد التفكير في تأسيس دولة مدنية حديثة ومعاصرة يتساوى فيها الجميع أمام سلطة القانون والقضاء المدني ، ربما مجرد التفكير في ذلك يعني الكفر والشرك والعمالة للغرب ولإسرائيل .
حركية الإخوان تكمن في كل أفعالهم وأقوالهم التي يستندون فيها إلى أحاديث الرسول الكريم وسيرته الشريفة ، وكأنهم يريدون القول إن ثوبهم من ثوب الرسول العربي ، وبالتالي فأي تدنيس لثوب الإخوان من خلال النقد والاختلاف في الرأي ، ما هو إلا تدنيساً لثوب الرسول ، وحاشى أن يقبل أي عربي أو مسلم بهذا المنطق السقيم الذي يرى نفسه من الداخل من دون أن يراها من الخارج ، وهنا تكمن المصيبة ، عندما يتماهى الإخوان بصفات الرسول كما يتماهى الشيعة السياسية بصفات سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ومن رحم هذا التماهي يولد تقاطع المصالح الدنيوية ، بين حركية الإخوان الممثلة في حماس وحركية الشيعة السياسية الممثلة بحزب الله والتي تقودها عمائم طهران ومن لف لفها .
ولعل بيان الإخوان المسلمين في سورية وغيرها ، إبان الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ليس بخاف على أحد ، والأمّر والادهى من ذلك أن يمد إخوان سورية يدهم من خلال بيانهم المبهم إلى يد النظام السوري ، وكأن دماء الأبرياء الذين لا علاقة لهم لا في الإخوان ولا في السياسة ، ذهبت هدراً ، أو تنازل عنها الإخوان لقاء مصالحهم المستقبلية ، وأحلامهم الواهية التي لازالت تدعي أن الحل يكمن في الإسلام .
قد يحاجج بعض الاخوانيين من باب سد الذرائع ، أن الرسول (ص) مد يده أيضاً من خلال صلح الحديبية إلى ألد أعدائه في بداية عصر الدعوة ، فما المانع من أن يمد الإخوان يدهم إلى النظام السوري ؟ المانع كما أسلفنا هو في مماهة الإخوان لشخص الرسول الذي هو بشر لكنه ليس ككل البشر ، وظروف عصره تختلف عن ظروف ما سبقه وما لحقه ، فلا تجوز المقارنة بين فترتين زمنيتين يفصل بينهما عشرات القرون .
وليت الأمر ينحصر في هذه الزاوية الحادة ، بل ينفرج ليصل إلى حد مد اليد علناً لأجرم رموز النظام السوري الجنرال رفعت الأسد ، فبعض الاخوانيين القدامى الذين يعلنون استقلاليتهم عن مرجيعة القيادة اليوم ، تماما كما يفعل المفاوض السوري المستقل عن النظام إبراهيم سليمان ، يحاولون وصل الجسور وفتح القنوات مع رفعت الأسد لسبب وغير سبب ، فهل هذه هي الحركية الاخوانية المستجدة ، وهل هذه هي براغماتيتهم التي استفاقت مؤخرا على اتصالات عضوهم المستقل مؤمن محمد نديم كويفاتية مع جزار مدينة حماة وحلب ولا ننسى ضحايا سجن تدمر ، الجنرال رفعت الأسد ؟.
وإذا ما سألنا عن سبب الاتصال ، ولا ندري ما إذا كان هنالك لقاء صامت مع نجل الجنرال سومر الأسد ، فالجواب هو للتنسيق الجيد لمرحلة ما بعد سقوط النظام ، أو للتفاهم حول بعض النقاط العالقة ، والذريعة الجاهزة أن بين اللبنانيين بحور من الدماء فها هم اليوم ينتصرون لبلدهم ويتوافقون فيما بينهم ، كما أن الفلسطينيين يتفاهمون بل يفاوضون عدوهم إسرائيل ، لكن تفاوض الفلسطينيين تحت عيون المجتمع الدولي حفاظاً على الكيان الوطني وليس لأجل ضمان كرسي أو حقيبة وزارية أو للدهس على دماء الأبرياء ، وقد لا نتفاجئ أن تحذو حماس حذو إخوانها في سورية ، وتفتح قنوات التفاوض مع إسرائيل في العلن مثلما هو الحال في السر.
إن لعب الإخوان في السر والعلن ، يستدعي الكشف عن تفاصيل اللعبة السياسية ، فليكن اللعب مكشوفاً ، حتى لو كان باسم الإسلام الحنيف ، غير ذلك لا يعني سوى باطنية صماء تبطن غير ما تظهر وتفعل غير ما تقول ، تتشارك فيها كل حركات الاسلام السياسي بطابع الدهاء .
Thaaer-1@hotmail.com


السبت، 13 يونيو 2009

لإسرائيل السلام ولنا الحرية

ثائر الناشف
كثيراً ما ترددت على مسامعنا مقولة لإسرائيل السلام وللعرب الأرض ، أي مبدأ مدريد عام 1991 ، الأرض مقابل السلام ، لكن ما جرى إلى اليوم ، لم يحل السلام ولم تعود الأرض ، وبقي الوضع كما هو عليه ، بل أن إسرائيل راحت تتحدث مؤخراً عن مبدأ السلام مقابل السلام ، أو بصيغة السلام الاقتصادي .
نحن كشعوب وأنظمة أمام أطروحات عديدة تبدأ بالسلام ولا تنتهي عند شكله النهائي ، والسؤال هنا ، هل فكرنا قليلاً عن أي سلام تفتش إسرائيل ، ومع مَن تريد عقده ، إذا كانت تريده مع النظم العربية ، فمن حقنا كشعوب أن نساءل ، لماذا هذا السعي الحثيث نحو السلام مع الأنظمة والشعوب بعيدة عنه ، أليس من حق هذه الشعوب أن تكتشف وبعد صراع طويل ومرير طبيعة خصمها التقليدي ؟.
لكن القضية لا تقف عند هذا الحد أو ذاك ، إنما أصبحت قضية مفتوحة على كل الصعد ، تتعدى إشكالية أن يتحدث أي مواطن عربي مع آخر إسرائيلي صدفة ومن دون علم حكومته أو بالتفويض منها ، بينما لا يجد الإسرائيلي أي عتب أو تخوين من حكومته إذا ما عرفت أنه التقى بقصد أو بغير قصد مع أي إنسان عربي .
هل هناك عقم أو شلل في العقلية العربية ؟ ربما كان هذا العقم ناجماً من بعبع التطبيع الذي نما بشكل رفضي في عقل الإنسان العربي ، على أن هذا العقم النامي رفضاً لكل أشكال القبول بواقع إسرائيل ماضياً أو حاضراً ، بات عقماً يستفاد منه من قبل بعض الأنظمة وعلى سبيل المثال النظام السوري الذي يتردد في استرداد أرضه المحتلة ، رغم فرص السلام الضائعة ، وذلك في سبيل الإبقاء على حالة الشلل الراهنة في عقل الفرد السوري وزرع فكرة أن المعركة التاريخية هي مع إسرائيل ، وهي معركة لم ولن تأتي .
وعليه فإن تحميل إسرائيل مسؤولية ما آلت إليه أوضاعنا السياسية وأحوالنا الاجتماعية ، نوع من التهريج السياسي وضحك على الذقون ، فلماذا تقدمت إسرائيل لوحدها بينما محيطها العربي في تراجع مستمر إلى الوراء ؟.
بالأمس كان الرهان على عودة الأرض كاملة إلى السيادة الوطنية ، أما اليوم فقد أصبح مطلوباً في فلسطين توحيد الصف الوطني أولاً وقبل كل شيء ، ولم يعد مهماً تحرير الضفة بقدر ما هو مهم وقف نزيف الانقسام المحلي ، هذا فيما يتعلق بقضيتنا الأولى فلسطين ، أما عن سورية ، فلم يعد مهماً للنظام عودة الجولان بقدر عودته إلى لبنان ، والإنسان السوري يسعى جاهداً وراء تحسين أحواله وتغيير أوضاعه ، وهذا التغيير المطلوب لن يأتي لطالما بقيت إسرائيل حجر عثرة تعرقل مساره .
قد يكون مؤلماً ومفجعاً أن تغدو خياراتنا المستقبلية مرهونة بيد إسرائيل ، وليست في أيدينا ، فليس خافياً عندما تجهر إسرائيل بأعلى صوتها ، أنها تفضل نظاماً ضعيفاً كالنظام السوري ، على أن لا يأتيها نظام غير مجرب .
في نهاية الطريق ، أمام إسرائيل وأمامنا ، خيار واحد ، وهو أنها لن تعرف المعنى الحقيقي للسلام ما لم تضمن الشعوب حريتها التي تكفل لها تغيير أوضاعها وقتما تشاء وبإرادتها الشعبية كما حصل في لبنان ، لأنه كما هي الأرض لدى النظام العربي شرط للسلام مع إسرائيل ، فإن الحرية أيضاً شرط لدى الشعوب لتحقيق السلام ، وعلى إسرائيل أن تختار .

السبت، 23 مايو 2009

إرهاب الممانعة يستهدف مصر !


إرهاب الممانعة يستهدف مصر !
ثائر الناشف
متى ترد مصر على صبيان الحرس الثوري الإيراني الذين باتوا ينتشرون في البيت العربي كانتشار النار في الهشيم ؟ هل هانت مصر إلى الحد الذي أصبح فيه غلمان محور الممانعة يعيثون فساداً وتخريباً وتحريضاً في أرضها ؟ ولم يوفروا حتى سماءها وفضاءها الذي يجمع مشاعر وآمال العرب في بيت واحد ، ولماذا لا يريدون لهذا البيت أن يبقى عربياً في حده الأدنى ؟ رغم نفاقهم الاسلاموي الفاقع ذي اللون المذهبي الواحد الذي لا يقل عنصرية في ممارسته عن إسرائيل ، الذي ترفع لواءه إيران من أيام شاهها النافق إسماعيل الصفوي إلى يومنا هذا ، ونفاقهم العروبي المزور بشعارات تناقض نفسها على أرض الواقع من حيث التفتيت والانشطار بدل الوحدة ، والقمع والقهر بدل الحرية ، والنهب المنظم للثروة بدل الاشتراكية ، الذي ترفرف رايته غصباً عن أنف سورية .
بالأمس خونوا مصر عندما تجرأت وقالت نعم للسلام الذي يعيد الأرض المحتلة ، وقد أعادها كاملة ، واليوم يستهدفونها بكل ما أوتوا من أساليب المكر والتآمر ، فهل يمتلكون الجرأة ويقولون نعم للسلام وفرصه الضائعة ، عسى أن يعود الجولان ، أم أنهم لا يجيدون سوى ذرف دموع التماسيح على جولانهم المفقود وكيل الشتائم ونسج المؤامرات على من حال قبل عشرة أعوام ونيف من دون أن تكون مدينة حلب ولاية تركية ؟.
الكل يعلم حقيقة حزب العمال الكردستاني ( (pkkوأين تدرب وكيف جرى تسليم زعيمه عبد الله أوجلان ؟ ربما كان لبنان وما شهده شماله قبل عامين في مخيم نهر البارد اقرب إلينا من حبل من الوريد ، فالكل يعرف أيضاً كيف عبر إرهابيو فتح الإجرام وأين حطوا رحالهم وتدربوا ؟ هذا عدا عن الفرق والمليشيات الخاصة العابرة من طهران إلى بغداد وبالاتجاه المعاكس من سورية إلى العراق .
إذن ، أمام هذا الكم الهائل من الفعل الإرهابي المنظم وغير المنظم لم يبق من هدف سوى مصر ، التي باتت بخطابها الهادئ والمتبصر لحقائق الأحداث وتطوراتها ، الخط الأول والأخير أمام هذا الزحف الذي يتغطى بعباءة الممانعة تارة وثقافة المقاومة المستهلكة محلياً تارة أخرى .

كل مصر مستهدفة اليوم ، سماؤها ماؤها هواؤها وأرضها ، ومس أي واحدة منها يعني المس بكرامة وسيادة مصر الدولة ، وليست النظام كما يتوهم البعض ، فمصر لم تكن يوماً نظاماً يخاف من ظله كحال سورية ، ولا نظاماً يصدر ثورته الظلامية مثل إيران ، وفوق هذا وذاك تشهد الآن انطلاقة ديمقراطية على الصعيدين السياسي والاقتصادي ، تكفي لأن تقول للمزايدين كفوا عن مزايداتكم الفارغة .
إن محور الممانعة وتوابعه وأدواته ، يستهدف مصر استهدافاً مباشراً ، ليس لأنها في الركب الاميركي كما يتهمها مسؤولو النظام السوري ، ولا لأنها تحاصر غزة بمشاركة إسرائيل مثلما يتبجح صبية إيران من سراديب النجاة ، بل لأنها تقول ما تراه مضراً ومخلاً بأمن المنطقة وسلامتها ، وتشير بإصبعها إلى مواطن الخطأ ، وعندما كان قولها موضع اهتمام المراقبين في العالم ، فإن صداه المدوي فضح المستور وكشف عورات المتآمرين .
بعد أن استهدفوا أرضها بخلية عملائهم وخلاياهم الأخرى ، التي لا يُعلم من أمرها شيئاً ، وها هم يستهدفون فضاءها العربي بالتشويش والتضليل ، وفوق هذا يتهمونها بالتآمر عليهم من خلال الادعاء الواهم أنها بصدد استضافة منظمة مجاهدي خلق الإيرانية ، التي لا وجود لها ولا لأي إيراني كان في مصر ، لا من قريب ولا من بعيد ، أو من خلال الظن السيئ بالسماح لفضائية زنوبيا بالبث على قمر النايل سات ، وللعلم هي فضائية مهنية وليست ظلامية مذهبية أو طائفية تحقيرية كفضائياتهم التي تقدح وتشرخ بمصر وشعبها ليل نهار .
ما يقال عن مصر بات معلوماً على لسان فسطاط الممانعة ، لكن ما يحاك ويدبر أكبر وأكثر مما يقال . تبقى مصر ببساطة شعبها وطيبه الحضن الدافئ لكل أحرار الأرض ابتداءً من سيد الأحرار إبراهيم وزوجه إلى السيد المسيح وأمه العذراء عليهما السلام ، ولأن التاريخ يعيد نفسه أحياناً ، فهل تقول مصر كلمتها اليوم ، كما قالتها بالأمس عندما هزمت ملك الفرس داريوس وجيشه الجرار في معركة أسيوس 333 ق.م وطردته شر طردة ؟.
كاتب عربي

السبت، 16 مايو 2009

ربيع الديمقراطية في الكويت


ربيع الديمقراطية في الكويت
ثائر الناشف
رغم حرارة شمس الكويت التي لا تتيح مجالاً لفصل بالحلول محل فصل آخر ، إلا أن المتفحص لواقع الكويت ، سيلاحظ أن الحراك السياسي وعلى اختلاف ألوانه ، أحدث تحولاً في كل مناحي الحياة وساهم مفعوله الأساسي في صناعة الديمقراطية ، التي إن أزهرت ، فإن زهرها لا يذبل لطالما استمر ربيعها ، أي استمر حراكها على ذات القدر من الدفء والحيوية .
ليست الديمقراطية في الكويت عملية اقتراع في موسم انتخابي كما يظن البعض ، بالأساس لا يمكن تعريف الديمقراطية على أنها عملية اقتراع أو صندوق انتخاب وحسب ، لقد أثبتت التجربة ، أن التعددية السياسية والعمل في إطار منظومة القوانين والتشريعات التي أقرتها الدولة ، بداية الطريق نحو التأسيس لثقافة الديمقراطية التي لا تعرفها شعوب المنطقة أو لنقل لم تصل إليها بعد .
وما يجري في الكويت اليوم ، فاق كل التوقعات والوصف ، فبات من الصعب وصف مشهده السياسي ، سوى أنه ربيع سياسي تكفله الدولة لمواطنيها وربيع اجتماعي شارك فيه المواطنون وقالوا كلمتهم فيه ، وما يعزز ثقافة الديمقراطية هذه ، ليس صندوق الانتخاب كما قلنا ولا الندوات السياسية أو المنتديات ولا حتى الخطب الحماسية لتيار سياسي بعينه ، إنما شعور المواطن بمواطنيته التي توجب عليه الانخراط في الدولة وبذات الوقت تكفل له المشاركة الفاعلة وتمثيل ما يستطيع تمثيله من شرائح المجتمع ، وترك الباب مفتوحاً أمام ممارسة النقد ، وهو نقد وصل في الآونة الأخيرة إلى حدود ، أوجبت إعادة تفعيل الحياة السياسية في كل مرة .
إن ربيع الديمقراطية في الكويت أوشك أن يزهر ، وما يحصل من مخاض ، دليل على سلامة ما يحمل في ثناياه ، وهو أيضاً مؤشر حقيقي على صحة تجربته الديمقراطية ، من هنا لا مجال للخوف من أي تداعيات محتلمة عليه ، بسبب ما شهدناه في السنوات الثلاث الماضية من شد وجذب وصل إلى حدود لم يصل لها لا في لبنان ولا في مصر ، فلكل تجربته ولكل ربيعه الديمقراطي سواء في لبنان أو مصر التي تشهد انطلاقة ديمقراطية ستكون هي الأكبر من نوعها نظراً لتراكمية حراكها وتشعبات حياتها السياسية وقوة الدولة فيها ، بعكس سورية التي تعيش اليوم ضمورا سياسياً وديمقراطياً ، بعدما كانت تجربتها الديمقراطية في الأربعينات والخمسينات أول تجربة عرفتها المنطقة .
أما الأزمة السياسية التي مر بها الكويت ، فهي كما قلنا مخاض لا بد منه ، وهي دليل على الوصول لمرحلة الحل النهائي ، ولرب قائل يقول ، هذه هي الديمقراطية ، التي تعني الصخب والنقد والرأي الآخر سواء كان في حدوده الدنيا أو العليا .
أخيراً ، لكل تجربة تاريخها ، والتجارب الديمقراطية تنطلق دائماً من حدث تاريخي لكل بلد بعينه ، ولعل اجتياح الكويت في مطلع تسعينات القرن الماضي ، كان حدثاً تاريخياً في حياة الكويت الذي رد عليه ويرد اليوم ، بأمضى سلاح في العصر الحديث ، سلاح الديمقراطية والكلمة الحرة .
حقاً إن ديمقراطية الكويت جواد لا يكبو ، لكنه جواد عربي ، وهذا ما يجعلنا أكثر تفاؤلاً ، فعسى أن يصحو جوادنا
.

Thaaer-1@hotmail.com

الخميس، 7 مايو 2009

بهلوانية ترويكا الممانعة

ثائر الناشف

"عليكم أن تقصروا ألسنتكم وتفتحوا آذانكم جيداً " هذه إحدى عجائب وطرائف رئيس الثورة الإيرانية العابرة للحدود والشرعيات الوطنية ، وقد لا نفاجأ إذا ما وجدنا اسم احمدي نجاد يتصدر العجائب السبع بتصريحاته العنترية حيناً والاستعلائية الذاتية والنفسية حيناً آخر .
ربما انطوت مقولته هذه، التي تفوه بها من قلب المحور الآخر ، أي من دمشق التي زارها تضامناً مع صمودها وتصديها لذاتها المهجوسة بالخوف الأعمى من ظلها قبل خوفها من الآخرين ، فما بالنا بخوفها من إسرائيل التي يتوعدها نجاد في كل وقت وحين ، ولا ندري إن كان القصد النجادي يعني إسرائيل وحسب ، أم أنه قصد كل من هو خارج خطوط وحدود ترويكا الممانعة والممتد هذه المرة ليس هلالياً ، حتى لا يحاجج أصحابه بتهمة الطائفية والمذهبية ، بل سياسياً من طهران إلى دمشق كما درجت العادة قديماً وحديثاً باتجاه الدوحة ، التي تحاول ما بوسعها أن تسابق الزمن في اغتنام الفرص المتاحة لتحقيق أكبر قدر من المكاسب والحضور السياسي ، لكن من دون أن تعلم أن تقاطعاتها المتعجلة ، حتى لو تقاطعت مع الخط الإيراني السوري كما في حصل في قمة الدوحة الأولى ، لن تؤتي أكلها ، لا في الحاضر ولا في المستقبل ، فإيران تعتبر نفسها صاحبة الدور الأساسي في المنطقة ، ومن تتقاطع مصلحته المرحلية مع مصالحها ، كحال النظام السوري الذي يؤكد أن علاقته بإيران تحكمها المصالح أولاً ، ويتوهم عندما يقول إن رؤيته تجاه إيران صحيحة وإن إيران تشاركه هذه الرؤية الثاقبة ، لأن النظام الإيراني يعتبر نفسه كما أشرنا حجر الأساس في منح الآخرين الحركة السياسية ، والذين سيتحولون أتوماتيكياً بفعل تلك الحركة الميكانيكية الممنوحة لهم نتيجة قلة فاعليتهم السياسية إلى أتباع بحسب الفكر السياسي الإيراني المعاصر ، كالنظام السوري الذي وجد نفسه محاصراً بعيد سقوط النظام العراقي ، وغارقاً في أزماته ومعزولاً بعيد اغتيال الرئيس رفيق الحريري ، وإلى مرزبانات مأمورين بأوامر التاج الفارسي ، وفق الوصف القديم .
وبين الوصفين القديم والجديد ، لا يختلف الحال كثيراً ، لطالما بقي التقليد واحداً لم يتغير في مضمونه إلا ما ندر ، وهذا بدوره يساعد في فهم مرامي السياسية الإيرانية التي تتجه دوماً نحو مناطق الضعف حتى لو بعدت عنها آلاف الأميال ، وكذلك المجاورة لها التي تشكل خاصرتها الرخوة ، فعندما نقتبس من التاريخ بعض الوقائع ونطابقها مع وقائع اليوم ، سيتأكد لنا مدى تطابق وقائع الماضي مع مجريات الحاضر في السياسية الإيرانية .
ولعل سياستها مع عرب العراق الخاضعين لحكمها قديماً هي ذاتها مع عرب اليوم مع فارق العصور ، وتآمرها على ملكة تدمر (سورية) زنوبيا التي أبت أن تصبح ريشة في ذيل الغرور الفارسي رغم حصار الرومان الخانق الذي أدى إلى ما أدى إليه ، بعكس واقع سورية اليوم التي قبلت بعدما انقلبت على أمرها أن تكون عمقاً استراتيجياً ورأس جسر في منظومة النفوذ الإيراني ، اعتقاداً منها بصوابية رؤيتها السياسية ، لأن مَن يمتلك الرؤية هو القوي في السياسية .
والسؤال الموجه لترويكا الممانعة ، إذا كانت القوة السياسية محددة شرطاً بامتلاك الرؤية الصحيحة ، فهل يكون مفعولها وجوهر وجودها محدداً فقط عبر تلك التصريحات البهلوانية ، التي تقول الكثير- الكثير ولا تفعل سوى القليل ، وأن فعلت ، فإن فعلها لا يخلو من شبهة التآمر ، والتاريخ خير شاهد .
Thaaer-1@hotmail.com

الاثنين، 4 مايو 2009

حزب الله يتحسس رأسه !


"حزب الله" يتحسس رأسه !
ثائر الناشف
هل تحول "حزب الله" إلى محامي الشيطان في دفاعه المستميت عن قتلة الرئيس الراحل رفيق الحريري ؟ لقد عودنا "حزب الله" أنه لا يتحرك إلا عندما يتحسس أن الأمور وصلت إلى درجة من الخطورة لا يمكن بعدها العودة إلى الوراء .
لكنه يريد العودة إلى نقطة الصفر ، فيما يتعلق بملف قضية الحريري ، فهو ، أي حسن نصر الله أعلنها صراحة أنه لن يقبل بأي قرارٍ من المحكمة الدولية بعد اليوم ، بحجة أن التحقيق الدولي مزيف بشهوده ورؤسائه الثلاثة .
ما معنى أنه لن يقبل بأي قرار بعد اليوم ؟ وبذات الوقت يقول إن لإسرائيل ، لا غيرها ، صلة في اغتيال الحريري ، هل حقاً يدافع نصر الله عن إسرائيل بكل هذه السذاجة ، أم أنه يناور أو يريد إظهار صورة وإبطان الوجه الآخر في دفاعه هذا ، إذن ، لماذا الهجوم الشرس على المحكمة الدولية والتحقيق الدولي ؟ .
إذا كان التحقيق الدولي ظالماً بحق من أوقف على ذمته ، فهل تحقيقات أسياده في طهران والشام عادلة ؟ هذا إذا كانت عندهم أصلاً تحقيقات ، لكانوا على الأقل كشفوا عن قتلة قائده العسكري عماد مغنية في قلب عاصمة الأمويين .
يبدو أن لدى نصر الله عقدة نفسية من كلمة تحقيق ، لما تعنيه من حقائق ظاهرة وليست باطنة ، وربما أزعجه التحقيق المصري ، لدرجة أنه راح يستهتر بمصر وتاريخها ، ويسفه مؤسساتها بكل ما أوتي من تعليمات ، فعندما يرفع "حزب الله" صوته عالياً ضد التحقيق الدولي - عقيدته وعقيدة باقي التيارات الاسلاموية لا تقيم وزناً للقانون ولا القضاء - ليس معناه رفع شعبيته أو أصوات ناخبيه ، إنما استباقاً لما قد تضعه هذه المحكمة من مفاجآتٍ قد تطال رأس الحزب من دون غيره ، لا سميا أنه اعترف بخدماته اللوجستية المارقة لحدود مصر وسيادتها ، فإنه قد يكون أيضاً - من باب الافتراض - أمّن تلك الخدمة اللوجستية الجليلة لمن اغتال الحريري في قلب بيروت ، وهي عملية تعد لها دول وجيوش على أرض لبنان الصغير بعملائه الكبير بأحراره .
"حزب الله" يتخبط يميناً وشمالاً وشعبيته في الهاوية ، بعد أن دللت عليه أفعاله في العراق واليمن ومصر والمغرب والكويت ودول أميركا اللاتينية وحتى سورية الصامتة بدأ شعبها الصامت ينفض يده من غبار الممالئين لقمعه ، فهو يتهم إسرائيل باغتيال الحريري ، وبنفس الوقت يرفض التحقيق والمحكمة وكل قراراتها السابقة واللاحقة .
يستطيع "حزب الله" أن يزايد على مصر بما يشاء ، وقد لا يصغي كثيراً لاتهامها له ، لكنه وبعد القرار التقني للمحكمة الدولية بالإفراج المؤقت عن الجنرالات الأربعة ، بدأ يتحسس رأسه ، لأن المحكمة ستقول ما في جعبتها بكل مهنية بعيداً عن السياسة والتسييس الذي يتشدق به المتورطون ، وليكن ما يكون ، كما بشرنا نصر الله بحرب أهلية في لبنان ، دفنها اللبنانيون بوعيهم ونضجهم ، وحرب إقليمية ستصل بالمارينز الاميركي إلى الشام ، وما لهم وما للشام التي تصمت مدافعها في الجولان ، فهل يصمت الشيخ نصر الله تيمناً بصمت " قادته الحكماء" ؟.
إن الحقائق التي ستميط المحكمة اللثام عنها ، ستكون من دون شك مدوية ، قد تودي بلبنان والمنطقة بحرب إقليمية لا نهاية لها ، ولكن ليست إسرائيل مَن سيشعل فتيلها ، بل سيشعل فتيلها مَن غامر وأشعل فتيل حرب تموز/ يوليو وندم على فعلته ولم يرتدع بعد ؟.



الاثنين، 20 أبريل 2009

الأحواز في القلب

  1. ثائر الناشف
    من شدة الهموم والمشكلات المحيقة بنا كدنا أن ننسى القضية الأحوازية التي لا تقل أهمية عن باقي القضايا , وإذا كان ثمة تجاهلاً رسميا لها على مستوى القيادات العربية , ينبغي ألا يتحول هذا التجاهل المدان إلى الشارع العربي , لذا يجب التركيز على عدالة هذه القضية , قبل أن يطويها النسيان وتصبح في دفاتر الماضي .موقع القضية الأحوازية يجب أن يكون في القلب , مثل أي قضية أخرى , لتبقى حاضرة دوماً في الذهن , نشعر بها وبما تعانيه من مأسٍ ومحن كما نشعر بأنفسنا , لطالما استمر صوت الأحوازيين مدوياً في وجه الاحتلال الإيراني ولم يخفت مثلما خفت صوت بعضنا متواطئاً أو متحالفاً مع إيران . في كل يوم يتعرض الشعب الاحوازي لأبشع أنواع القهر , وهو قهرٌ لا يعدله قهر في التاريخ كونه يمارس ظاهرياً باسم الإسلام , والسؤال هنا , هل يجوز للمسلم أن يعتدي على أخيه المسلم ? لكنه يمارس باطنياً بفعل القومية الفارسية الطامحة والطامعة لكل ما هو حولها? يزداد هذا القهر بؤساً في صور عنصرية أشد قتامة من أي صورٍ أخرى , صورٌ باتت تصلنا من الواقع بلا تجميل أو تزييف , وما يثير الاستهجان استمرار الصمت المطبق والاستحياء الفاضح المرتسم على وجوه بعض العرب , كأنهم نسوا أن لهم قضية اسمها الأحواز , هل يمكن أن ننسى سيطرة شاه إيران رضا خان على هذه الأرض العربية الغنية بمواردها وثرواتها وحضارتها العريقة في عام 1925 وأسرة
    ومن ثم قتله للشيخ خزعل الكعبي ? إن تكاثر قضايا العرب المصيرية لا يغلي أو يقدم إحداها على الأخرى , نقول هذا والقضية الفلسطينية تعيش أعقد مراحل الانقسام إلى جانب القضايا الملتهبة في العراق ولبنان , ولا تفوتنا مشكلات السودان , لكن أن تسقط قضية بحجم الأحواز من الحسابات العربية في اجتماعاتهم وأثناء قممهم , فهذا وللأسف مؤشر على خروج الأحواز من دائرة الاهتمام العربي.
    أمام هذه الصور الفظيعة والممارسات الشنيعة التي تقترفها إيران ضد أهل الأحواز منذ أن غزاها الأخمينيون بزعامة " بذي الأكتاف" قوروش عام 539 ق.م , والذي لا زال الإيرانيون يفتخرون بمجازره الرهيبة وعمليات نزع الأكتاف التي كان يرتكبها ضد شعب الأحواز والجزيرة والخليج العربيين , كل هذه الانتهاكات لا زالت مستمرة وأن اختلفت الأساليب والوسائل من عصر لآخر .
    المؤرخون الإيرانيون يعترفون في وثائقهم بعروبة الأحواز أرضاً وتاريخاً , رغم محاولات الفرسنة والتوطين والاجتثاث , يبقى الشعب الأحوازي أكثر تمسكاً بلغته وتراثه العربيين , ونعتقد ان الوقت حان لأن تأخذ القضية الأحوازية مكانها الصحيح في صدارة اهتمامات الدول العربية , وأن يقال لإيران كما يقال لإسرائيل , فالمحتل مهما تغيرت طباعه يظل محتلاً , وإلا فإن التاريخ لا يرحم.
    Thaaer-1@hotmail.com

الأحد، 19 أبريل 2009

أباطيل ثقافة " المقاومة"


أباطيل ثقافة "المقاومة"
ثائر الناشف
السائر في أرجاء المدن السورية سيجد يافطات حمراء اللون تحمل عنواناً كبيراً في معناه ضئيلاً في مبناه ، عنوان : فلنعزز ثقافة " المقاومة" ، وعلى هذا العنوان يضيف أحد البسطاء الذي لا يجد ما يقتات عليه ، كيف سنعزز هذه الثقافة , أنعززها على طريقة شباب " باب الحارة" التي سحرت القلوب وسلبت العقول ، أم نعززها على طريقة خلايا " حزب الله" التي انكشفت عمالتها ؟.
وكأننا في عصر الستينات من القرن الماضي ، عصر العضلات المفتولة والحناجر الصداحة والشعارات البراقة ، وأيضاً عصر الهزائم المتتالية ، لا بل نحن في عصرنا هذا ، عصر ثقافة " المقاومة" ، بعدما كنا في عصر الصمود والتصدي والتحرير ، فعندما عجزنا عن إنجاز التحرير من البحر إلى النهر ، كان من الطبيعي أن نسير في ركب " المقاومة" ، حتى يذكرنا التاريخ ويسجلنا في سطوره ، هذا هو مفهوم " المقاومة" عند أصحاب هذا الخطاب وهذه الثقافة العرجاء ، والتي لا أساس لها إلا في علم الفيزياء .
فكيف يريدون جعلها ثقافة وهم أبعد ما يكونون عنها ، لن نحاجج أحداً ، لكن هل نصت أدبيات حزب البعث على " المقاومة" ؟ أليست بدعة إذن ؟ سيما وأن أدبيات البعث تدعو إلى الثورة التي انتهى مفعولها لا إلى " المقاومة" ، والتاريخ العربي مليء بالثورات حتى قبل وجود حزب البعث ، تاريخٌ شَهِدَ ثورات شعبية وليست ثورات أنظمة ، هدفها التحرر أولاً ، ولنا في ثورة سعد زغلول في مصر عام 1919 وثورة إبراهيم هنانو في سورية خير مثال .
ليس غريباً أن تنادي حماس وحزب الله بالمقاومة باعتبارهما تعلنان عن ذلك ، لكن الغريب في الأمر لجوءهما إلى هذا المصطلح الفضفاض ، مصطلح " المقاومة" ، ولجوء النظام السوري والإيراني في تبنيه ورفعه عالياً إلى مرتبة القداسة ، ربما نادتا " بالمقاومة" لأنها حمالة أوجه ، فمرة تكون " مقاومة" وأخرى تغدو مقاولة ، أي " مقاومة" العدو ومقاولة الصديق تارة ، و" مقاومة" الصديق ومقاولة العدو تارة أخرى ، وكأننا في جدل فلسفي غير منقطع .
كيف يمكن أن نعلل مناداة النظام السوري " بالمقاومة" والدعوة إلى جعلها ثقافة تتشربها الأجيال ، وماذا لو تضخمت ثقافة " المقاومة" عن الحد المعقول والمسموح به وطالبت هذه الأجيال " بالمقاومة" لتحرير الجولان ، من الواضح أنها لن تتضخم لأنها في الأساس مقاولة تسعى دائماً وأبداً إلى عقد الصفقات أحياناً وإلى التهدئة أحايين ، و إلا كيف يمكن أن تكون " مقاومة" ومفاوضات السلام جارية في السر والعلن ، وكيف ستقرأ إسرائيل التي لا يفوتها حرف واحد ، أن السلام لن يتحقق إلا " بالمقاومة" ، ماذا ستقول عنا ؟ ستقول قبل أن تهزئ منا ، لعبتكم لعبة قائمة على مبدأ التقية ، في الظاهر " مقاومة" وفي الباطن مقاولة ، وهي أي إسرائيل ، مستعدة للوجهين في أي زمان ومكان .
أخيراً بقي علينا أن نقول ، لطالما سئمت الشعوب أباطيل " المقاومة" وراحت بدلاً من ذلك ، تفتش عن ما يسد رمقها ، فإن المعنى الوحيد " للمقاومة" ، ليس المناورة أو المقامرة ولا حتى التقية ، بل إنه دليل إفلاس كبير واستعداد لطوفان عظيم ، لن تجدي معه الشعارات المستهلكة ولا الثقافات المسطحة .
Thaaer-1@hotmail.com

الجمعة، 17 أبريل 2009

لا.. حدود للصمت في سورية

ثائر الناشف
تمضي عقود من الزمن, والسوريون لا يزالون على حالهم المزرية مبعثرين, بين وطن أحكم رقابته على فكرهم, واعصب عيونهم عن رؤية العالم الآخر بكل تناقضاته وسجالاته, ومنفى أنساهم الأرض التي ولدوا عليها, وسواء كان هذا المنفى ايجابياً بتعريفه إياهم أصول الحياة وكيف يصير فيها الإنسان مواطناً حياً, له من الحقوق ما لغيره,أم سلبياً زاد عليهم النوائب أكثر مما عايشوه ووجدوه في سورية, التي شاء القدر أن تحذف من أذهانهم بعد أن حولها رعاتها إلى أرض يباب,لا يطمع فيها جائع أو تائه, ربما لأنها ضاقت بهم ذرعاً فنفتهم, أو هم من ضاق منها ذرعاً فنفوها من قلوبهم, مَن ينفي مَن ? ولماذا كل هذا النفي? قسرياً كان أم طوعياً .الجواب على هذا التساؤل واسع, ولا يتوقف عند حد معين, لكن الجانب المثير للقلق أنه كيف بالإمكان أن يشطب الإنسان أياً كان جنسه, وطنه من ذاكرته بهذه السهولة? الأكيد أن البشر على اختلاف طبائعهم وأعراقهم, محكومون بقدر كبير من العواطف والمشاعر, تجاه ذويهم وأرضهم وكل ما يمت بصلة لماضيهم السحيق. إن السوريين حقيقةً باتوا أشبه بأسراب البط المهاجرة لا تتوقف على مدار فصول السنة, بحثاً عن واقع أفضل ينجيهم من شرين مستطيرين, الأول أنهم انسلخوا من محيطهم العربي لشعورهم بأنهم أصبحوا عبئاً ثقيلاً على أشقائهم في لبنان والعراق, وقد لا يكونون راضين عما يحدث لكنهم مدركون أنهم أرغموا على الانسلاخ في لعبة إقليمية, ليسوا فيها سوى أحرف تتبدل هوياتهم بتبدل الأحرف نفسها, على أن هدف هذه اللعبة التي تسترهن البلاد وتأسر العباد في أجواء ملئها الفقر والحرمان من أبسط معاني الحياة, بقاء الأنظمة. الثاني لإيجاد ما يروي ظمأهم, وفي الوقت نفسه هرباً من بطش الطبيعة الاستبدادية وقوانينها المشرعة لصالح أسيادها "المتجذرين" رعباً وهلعاً في نفوسهم, إنه هروب مفاجئ لم تشهده سورية قبلاً عبر تاريخها الطويل, المتعارف عليه أن العالم في السابق يحدد وجهته قاصداً سورية.اليوم وفي ظل أجواء التحالفات المعكوسة, انقلبت المعادلات والموازين رأساً على عقب, وتحول السوريون من مقصود إليهم إلى قاصدين صوب عالم آخر, وأرض أخرى.بعض السوريين فقد معنى الوطن, نتيجة ذوبانه في المغتربات, كونها أضحت تشكل الملاذ الآمن له من سنوات الشقاء الأولى, فكلمة وطن تذكره بالشقاء, لذا تجده دائماً يهرب من لفظة وطن, البعض الآخر خرج طوعاً بمحض إرادته, نتيجةً لسأمه من واقع التعقيدات اليومية غير المنتهية, ولا يفكر بالعودة إلى دياره, كونه أصبح محكوماً بحواجز وحدود لا ينبغي تخطيها, حدود فرضها عليه الوطن الجديد, كثمن لخروجه من الوطن القديم, فإن عاد إليه لاقى مصيراً مجهولاً, وأن بقي في وطنه الجديد بقيت حدود الوطن القديم ترتسم في مخيلته .الصمت الطويل صار جزءاً من ثقافة السوريين, لقد وجدوا أنفسهم أمام مشكلة عالقة لا حدود لها, يصعب حلها, مع ذلك يستحيل القطع بأن لا حلول لها, فثمة من يعتقد أن الحل يكمن بتحطيم الحدود المادية التي صنعتها اتفاقات الدول ومعاهداتها, وثمة من يرى أن الحدود المعنوية (النفسية) هي التي ينبغي تحطيمها أولاً, من دون تحطيم النفس, وإلا فقدنا الشعور ودخلنا في اللا شعور, ولأن الحدود المعنوية لا ضابط ولا رقيب عليها إلا ضمير الإنسان, وبالتالي يسهل تحطيمها, نتساءل هنا: ماذا كانت النتيجة عندما حاول تيار التغيير الوطني المسالم ويتقدمهم أنور البني وميشيل كيلو تفكيكها فقط وليس تحطيمها, الحجر عليهم وإبعادهم عن الوطن الذي حلموا به, بسبب وهنهم لنفسية الأمة !, أين هي هذه الأمة ? ما صفاتها وحدوها ? من أفرادها وحكامها ? فإن وجدت هذه (الأمة), وقتها نستطيع القول إن هاجس القلق والخوف من المجهول, الذي طالما لاحق السوريين طويلاً في منفاهم, بدأ يتحطم تدريجياً, وغير ذلك يعني استمرار الصمت بحدوده المقفلة .

الخميس، 16 أبريل 2009

النبي جلعاد شاليط

النبي جلعاد شاليط
ثائر الناشف
ليس موضوعنا الإشارة إلى خطف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط أو خطفه ، فكل بحسب مسمياته، إنما الوقوف عند الطريق المسدود الذي توقفت عنده مفاوضات الصفقة على رأس الجندي شاليط مقابل الفك عما يقارب عن 400 رأس فلسطيني .
قبل أن نخوض في موضوعنا هذا ، أود التذكير بعجالة قول الأجداد العارفين بطبيعة اليهود ، وحقيقة أن دم اليهود غال وثمين ، وأن قطرة دم اليهودي الواحد ، تعادل بحور من دماء الآخرين وحياتهم ، فعندما يُجرح اليهودي عمداً أو بغير عمد، تراه يتخبط ويتوعد بقطرة الدم التي أهرقها من كيانه .
هكذا إذن نفهم أن ما يحتويه الجندي الإسرائيلي شاليط ، الذي أوشك أن يتحول إلى نبي جديد من أنبياء إسرائيل ، من دماء تعادل دماء أكثر من 400 فلسطيني .
الفلسطينيون يعرفون أن جندياً إسرائيلياً واحداً ، يعادل مئة منهم أو أكثر ، وكذلك يعرف العرب الباقون ، هذه الحقيقة التي جعلت دماء الخصم ثمينة ودماءهم رخيصة ، وهم يبررون ذلك في سبيل الشهادة واستعادة الكرامة وتحرير الأرض .
فكلما ماطلت حماس وزادت من شروط صفقة تبادل الأسرى مع إسرائيل ، كلما زاد ثمن شاليط ، الذي غدا بالنسبة لإسرائيل ، وهو لم يتجاوز العشرين من عمره ، أغلى وأهم من أي شيء آخر ، وربما أصبح كيانه قضية أمن قومي بالنسبة لإسرائيل ومؤشر على قوة الدولة أو ضعفها .
أي إنسانٍ هذا شاليط ؟ هل فيه مسحة من النبوة ، أم أنه نبوة إسرائيل الجديدة وشبابها الدائم ؟ وعلى هذا، مَن قال بأن إسرائيل تقتل أنبياءها ، أليس شاليط ، الذي لأجله حوصر أكثر من مليون ونصف إنسان في قطاع غزة ولازال ، أثمن وأقدس من أي نبي آخر في تاريخ إسرائيل .
لكن دعونا نقف مع أنفسنا لبرهة قصيرة ، ونساءل ولو من باب التندر، لماذا لا يكون أحدنا أغلى وأثمن من شاليط ، ومتى نصبح على هذا القدر من الأهمية ؟.
الجواب على ذلك متعدد الاتجاهات ، اتجاه يقول حتى نوقف تكفير بعضنا ، وبالتالي نوقف نحر بعضنا لبعض ، واتجاه يقول حتى نشعر بالمواطنة أولاً ونلغي أنظمة الإلغاء والإقصاء ، واتجاه أخير يقول ، حتى نستعيد إنسانيتنا المسلوبة نتيجة الفعلين السابقين ، فعل التكفير الممارس من قبل مشايخ الجهل والغرور ، وفعل الإلغاء الممارس من جانب الشراذم الطائفية - المذهبية المستبدة التي لا يعنيها سوى استئثارها بالثروة والسلطة إلى أبد الآبدين .
Thaaer-1@hotmail.com


الاثنين، 13 أبريل 2009

مسرحية الزمن الرديء

  1. إن هذه المسرحية تطرح جملة من القضايا السياسية والاجتماعية التي يعاني منها المجمتع العربي ككل ضمن قالب أدبي واقعي وتراجيدي، تدورأحداثها في بلد عربي هو الإمارات .
    شخوص المسرحية ثلة من الشباب العربي ، تطرح المسرحية هموم كل واحد منهم في بلده الأم ، إلى جانب همومه في المكان الذي يقيم فيه ، بحيث تشكل مجموع هذه الهموم لوحة فنية متكاملة الأبعاد والألوان ، فجزء من هذه اللوحة يكشف التآخي والتعاضد الحقيقي القائم بين قلوب وليس ذاك الموجود في لغة الشعارات ، كما تبين حالة التعايش بين الأديان ، وعليه فإنها بذلك تدعو إلى السلام من دون تردد ، تتحسر وتنتقد على حالة الواقع العربي الرديء ، ترسم صورة أفضل لمستقبل هذا الواقع من خلال معالجة كل مشكلة من مشاكل الشباب ، تسلط الضوء على قضية حرية المرأة وخصوصا في المجتمعات الخليجية وحالات العنف التي تتعرض لها جراء العقلية القبلية ، تعطي صورة من صور الحب البعيد عن المنفعة والمصلحية .تقع المسرحية في خمسة فصول وكل فصل يحتوي على عدد من المشاهد كل مشهد يطرح قضية اجتماعية حية , ولا تخلو المشاهد من شجون السياسة وأحاديثها الساخنة , ضمن قالب أدبي تترابط عقده من البداية حتى النهاية .الغاية من المسرحية سبر أغوار الواقع العربي , وإلقاء نظرة فاحصة من الداخل , ترصد متناقضاته وتحرض على كسر محرماته , كما وتحاول جاهدة لقلب الواقع بالقدر الممكن , ليسهل نقله من حالة الشتات واللامبالاة تجاه الآخر إلى الحالة السليمة التي تتوخاها المسرحية عقب كل مشهد .بالرغم من تحديد مكان المسرحية في إمارتي دبي والشارقة , فإن حركة شخوصها تمتد من المحيط إلى الخليج , كل شخصية تتحرك بإيقاع بلدها الذي تنتمي إليه , لكن ذلك لا يمنع اتحادها داخل سقف واحد , وحده الهم هو الذي يجمع بين قلوبها ووحده البؤس الذي يشتتها , ولأن زماننا الذي نحياه كل ما فيه رديء , فجميع محاولات إصلاحه محتوم عليها بالفشل , ومن جوف هذا الزمن يموت السلام ويذبل الحب ويتقهقر الفن .

الأحد، 12 أبريل 2009

حقائق استراتيجية إيران المرعبة


لم تكن المعلومات التي كشفت عنها التحقيقات المصرية بشأن شبكة حزب الله الأمنية المؤلفة من تسعة وأربعين عضواً والمنتمين إلى جنسيات مختلفة ، إلا حلقة صغيرة من حلقات أكبر أكدتها التقارير الدولية التي ظلت لفترة طويلة تتابع أجواء الحرب الباردة بين طهران والقاهرة ، إن على خلفية الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة أو على خلفية عرض فيلم إعدام الفرعون ، الذي شكل عرضه المتكرر استفزازاً مزعجاً لأحد رموز مصر، الرئيس الراحل أنور السادات . كما رصدت تلك التقارير ، سلسلة التحركات السياسية والأمنية لحزب الله ، خصوصا بعد احتدام الخلاف بين القيادة المصرية وشخص حسن نصر الله في أعقاب حرب إسرائيل على جنوب لبنان صيف العام 2006 ، والتي دعته إلى تحمل مسؤولية مغامراته في لبنان . ولم يكن حزب الله في يوم من الأيام مجرد صديق لإيران أو سورية ، مثلما صرح زعيمه نصر الله في معرض رده على اتهامات النيابة العامة المصرية الموجهة أساساً إلى أفراد الشبكة المعتقلين ، إنما هو ذراع إيران الضاربة ( عسكرياً وأمنياً وسياسياً وحتى إعلامياً وثقافياً ) وبالتالي يستحيل أن يدعي الحزب أنه لبناني المنشأ والهوية ، ولو اتخذ من الأرض اللبنانية منطلقاً لمجمل عملياته العسكرية ، فمذكرات السفيرة الاميركية السابقة في بغداد ودمشق ابريل غلاسبي ، اعترفت أن الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد خدعنا بالوقت الذي كانت فيه قواته تعمل على تصفية الوجود الفلسطيني في لبنان في مطلع الثمانينات ، كانت أيضاً تساهم بالتعاون مع إيران في تكوين حزب الله وتسهل عليها عبر الممرات البرية والجوية بإمداد الحزب في كل ما من شأنه أن يجعل منه رأس جسر تستطيع إيران من خلاله الإطلال على ساحل المتوسط واستخدام أراضيه (لبنان) وما يجاوره في عملية تصفية الحسابات الإقليمية واستخدامه ساحة من ساحات الصراع المفتوح . لكن نصر الله ، الذي أقر بانتماء اللبناني سامي شهاب إلى عضوية حزبه ، فإنه بالمقابل لن يقر بتبعية حزبه لإيران ، إذ كيف يمكن لحزب يقول بأنه لبناني الهوى والهوية ، أن ينقلب على الدولة اللبنانية في السابع من مايو عام 2008 ، ويهدد بالسيطرة على مرافقها الحيوية ، فلماذا لا يقبل بأن يكون سلاحه في عهدة الدولة اللبنانية وقت السلم أو الحرب ، ثم متى كان يحق للأحزاب في العالم أن تختزن السلاح بعيداً عن أعين الدولة أياً كانت الحجج والذرائع ؟. كل هذا الكم من المعطيات كشف جزءاً يسيراً من الاستراتيجية الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط على مستوى صنع الأتباع والأحزاب والحركات في الدول المتهالكة بفعل الصراعات والمشاكل الداخلية كحال لبنان إبان الحرب الأهلية ، والخشية على العراق في ظل أوضاعه الأمنية بالوقت الحاضر .وهذا التغلغل الإيراني ليس له ما يبرره سوى محاولة الهيمنة على أكثر من دولة عربية ، فكيف لإيران " المسلمة" أن تقبل بمد يدها لأرمينيا في حربها الضروس ضد أذربيجان المسلمة ؟ هذا السؤال يقودنا إلى سؤال آخر ، وهو هل من الممكن أن تهرع إيران للوقوف والمساندة لأي دولة عربية بما فيها الحليفة سورية ، فيما لو تعرضت للأذى والخطر؟ الجواب يكمن لدى العراقيين الذين تعرضت بلادهم لحرب باركتها إيران سراً . إذن ، إيران اليوم في غمرة حربها الصامتة ضد ما تعتبره محور الاستسلام والخنوع ، ورأس الحربة حزب الله ، الذي انتفت الحاجة لدوره في جنوب لبنان من بعد العام 2000 واستكمل لاحقاً بعيد حرب يوليو 2006 بموجب قرار مجلس الأمن 1701 الداعي لنشر القوات الدولية على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية ، فبعدما شعرت إيران بثقل حركة حزب الله في الساحة الداخلية اللبنانية ، كان لابد من بديل عنه ، وهذا البديل ظهرت حاجته للمال الإيراني كما ظهرت حاجة حزب الله ، والمهم لإيران أنه بديل من بلاد الطوق ، وبالتالي وجدت طهران في حركة حماس الاخوانية البديل الأقرب إليها إستراتيجياً ولو ابتعدت عنها أيديولوجياً ، واتضحت الصورة أكثر ، حينما انقلبت حماس على الشرعية التي وصلت من خلالها إلى سدة الحكم ، وعلى إثرها بدأت الأحداث في لبنان وغزة تتفاعل بوقت متزامن وعلى إيقاع واحد ، وهي إحداث لم تتضح معالمها النهائية بعد ، وأن اتضحت بداياتها الأولى .فسيل الحقائق عن استراتيجية إيران ، لن تكذبها طقوس التقية السياسية التي يفلح ساسة طهران وأتباعهم في لبنان وغزة في انتهاجها ، فإذا كان نصر الله ليس طرفاً في أي معادلة سياسية داخلية لأي بلد عربي - كما يقول- فلماذا اتهم مصر وحدها من دون سواها بالمشاركة في حصار غزة ، ولماذا حرض الشارع المصري على الخروج ضد حكومته ؟ أما الأمر الآخر، إن كان حريصاً على دعم المقاومة في العراق وفلسطين وفي مساندة الفلسطينيين عبر الحدود المصرية مع غزة ، فلماذا لم يبادر حتى الآن إلى دعم مقاومة السوريين في الجولان السليب منذ أكثر من أربعين عاماً ، وهو الأقرب إليه جغرافياً من غزة ؟ . أليست استراتيجية إيران الإقليمية أوسع مدى وأكثر انتشاراً من أي استراتيجية أخرى في العالم ؟.