السبت، 17 أكتوبر 2009

هل وفاء سلطان علمانية ؟


هل "وفاء سلطان" علمانية ؟
ثائر الناشف
قبل أن نذهب إلى الصيغة المناقضة لصيغة هذا العنوان، وهو هل " وفاء سلطان" مسلمة ؟ لا حاجة لنا للتعريف بها ولا الوقوف عند منطقها الرومانسي ، فليس ما نكتب من قبيل الاختلاف بالرأي ، بقدر ما هو تحليل لأعماق شخصيتها ، التي لطالما فتحت أبواب الجدل على مصراعيها وأثارت الزوابع في النفوس ، لا سيما عندما شرحت الإسلام كعقيدة سياسية - كما تسميه - من واقع طائفي سنأتي على ذكره وتفصيله لاحقاً .
وحجتها دائماً باسم العلمانية، لكونها تبيح للآخر حق النقاش والجدال وسبر أغوار الأديان على اختلافها في محاولة منها، أي العلمانية الغربية دون الشرقية، إظهار رجعية الدين ودوره في تكبيل الإنسان بأساطير وغيبيات تحد من تقدم
وتطور الكون .
دائماً باسم العلمانية ، التي لم تأخذ حقها في التعريف الدقيق ، حتى لدى العلمانيين أنفسهم ، فكيف الحال لدى الإسلاميين على اختلاف مشاربهم ، تحاول
" وفاء سلطان" جاهدة إضفاء اللون الرمادي على الإسلام ، وهو ما لم يفعله غيرها من أبناء الغرب ومثقفيه ، أي سعيها الحثيث للخلط بين الأبيض والأسود في تقديم تاريخ الإسلام ، وخلق منطقة رمادية تنعدم فيها الرؤية على المؤمن ، أياً كان إيمانه ، وعلى العلماني في فهم الإسلام وقراءة واقعه ، وبالتالي حصر الرؤية من خلال منظورها الشخصي فقط .
منظورها الشخصي، يقودنا إلى طرح السؤال بصيغته الأولى، هل " وفاء سلطان" علمانية ؟ هذا السؤال المركزي يدفعنا قبل الإجابة عليه إلى الخوض في اكتشاف جذورها الأولى ونشأتها الاجتماعية، قبل البدء في رمي السهام جزافاً كما يفعل البعض من دون طائل.
إن " سلطان" ، عندما شرعت في تشريح الإسلام بمشرحها كطبيبة ، انطلقت في تشريحها من واقع تاريخي خاص بها وبالطائفة والمنطقة التي تنحدر منها ، وليس من واقع كونها مسلمة كما تقول ، وهي بذلك نفت عن نفسها سمة العلمانية ، والأمر الآخر، أنه لطالما كان للعلمانية اتجاهات فكرية وتيارات سياسية ، فحتى الآن لم تفصح " سلطان" عن ماهية اتجاهها ولا تيارها ، فلا هي يسارية في علمانيتها ولا ليبرالية ولا حتى قومية .
لنفترض جدلاً أن " وفاء سلطان" كانت علمانية ، وأن تشريحها للإسلام ينبع من واقع حسرتها عليه كمسلمة سابقاً ، وأيضاً من واقع كونها تعيش الآن في قلعة الحداثة الأميركية حيث للقوة العلمية العسكرية عظمتها ، والسؤال الاستفهامي ، لماذا تفتحَ عقلها في أميركا ولم يتفتح في مسقطها بسورية ، هل الأمر يعود إلى مجرد انبهارها بعظمة التطور الأميركي ،أم لهامش الحرية الفردية والاجتماعية الذي لطالما افتقدته في سورية ؟.
لو كان الأمر يتعلق بعظمة الحداثة ، لكنا أمام مئات بل ملايين الحالات على شاكلة حالة "سلطان " ، أما إذا كان يتعلق بالحرية ، وهذا ما نعتقد ، فإن عليها ومن موقع تمتعها بالحرية ، أن تتمناها لأقرانها في سورية ، من خلال الدعوة الصريحة إلى منافحة ومقارعة الاستبداد السياسي والطائفي الذي تعيشه سورية ، منذ لحظة خروجها وأبعد ، فلماذا الانكباب في تشريح الإسلام ، التغاضي عن تشريح الاستبداد ، أليس الاستبداد السياسي هو المسؤول المباشر عن تقهقر المجتمعات ، وتخلف حال المسلمين عن اللحاق بركب الحداثة الأميركية ؟.
ولطالما تحدرت " وفاء سلطان" منذ نشأتها الأولى من منطقة الساحل السوري ، الغني بثرواته الطائفية والمذهبية ، فهذا يقودنا أيضاً إلى الوقوف عند حقيقة علمانيتها ، ولا نملك أن نشكك في إيمانية أي مذهب من مذاهب الإسلام التي تنتشر في الساحل السوري ، لكننا من واقع كوننا سوريين ، فإننا أعرف ما بداخل بيتنا أكثر من غيرنا ، وبالتالي من حقنا أن نتساءل ، ما الفرق بين علمانية "وفاء سلطان" وعلمانية حافظ الأسد وصلاح جديد المقنعة ، الذين ينحدرون جميعهم من نفس المنطقة في سورية ؟ أليست علمانية " سلطان" مقنعة هي الأخرى بواقع الطائفية المرير ؟ وعليه ، فان انتقادها للإسلام ، ليس نابعاً من الشعور بهدف التقويم والتجديد ، بل من واقع أن الإسلام لم يعترف بها ، كما تفعل بعض المرجعيات الشيعية إزاء التنصل من الاعتراف بالنصيرية أو العلوية ، أو ما تفعله بعض الجماعات السلفية لجهة التكفير، وهذا بحد ذاته خطأ جسيم يحسب على المسلمين سنة وشيعة ، أو لأنها أصلاً لا تعترف بالإسلام من واقع تقوقعها داخل حفرة طائفية ضيقة ، لا تقبل الانفتاح على محيطها العربي والإسلامي على حد سواء .
فحافظ الأسد الذي تلحف في بداية حياته السياسية بغطاء القومية العربية كحركة علمانية ، لم يتردد في توريث الحكم لنجله خوفاً على ضياع حقوق الطائفة العلوية ، وهو بذلك عاد وتقوقع في واقعه الطائفي الذي انطلق منه باسم علمانية البعث العروبي ، وهذا يدفعنا إلى التساؤل مرة أخرى ، هل تحصيل العلم في أميركا هو الذي دفع " وفاء سلطان" إلى التخلي عن الإسلام ، أم أن واقعها الطائفي حتم عليها الخروج دائما وأبداً عن الإسلام ؟ .
ولرب قائل يقول ، إننا شططنا بعيداً في استنتاجاتنا ، ولا صحة البتة في الربط بين الطائفية والعلمانية ، نقول ، إذا كان ماركس نبي الاشتراكية ، فإن ربها ، أي رب الاشتراكية العلمية ، هو صلاح جديد الذي ضحى بكل مواقعه السياسية والعسكرية في سبيل تطبيقها ، ومع ذلك لم يتردد في القول من واقع طائفي مرير لا يمت للاشتراكية ولا للعلمانية بأي صلة أو رابط ، أنه سيجعل مسلمي سورية ويقصد سنتها ، يتصدقون الملح .
رغم تلطي البعض باسم العلمانية ، والوقوف خلف ستارها الطويل ، فإننا كمجتمعات شرقية ، حتى لو حملتنا أحلامنا للعيش في ربوع الغرب ، لم نصل بعد إلى فهم المغزى الحقيقي للعلمانية ، التي تعني بحسب ما اعتقد ، الحرية والقانون والحياة ، بعيداً عن الغوص في الدين ، ولا يمنع إذا ما تعارض طريق الوصول إلى الحرية والقانون مع طريق الدين ، أن تشرع العلمانية في تقويم الدين وتجديده ما أمكن ، فعندما تخلى عالم النفس سيموند فرويد عن يهوديته ، لم يتخلَ عنها من واقع كرهه للديانة اليهودية ، إنما استمراراً في طريق العلم الذي قاده إلى اكتشاف بواطن النفس والانكباب في دراستها ومعالجتها معالجةً علميةً بعيدة عن طرق السحر والشعوذة التي كانت سائدة في عصره ، الأمر الذي اقتضى ابتعاده عن الدين ، لغاية هدف أسمى حمله للبشرية جمعاء ، ألا وهو اكتشاف النفس الإنسانية .
إن جوهر المشكلة ولبها لدى الأقليات في الشرق الأوسط ، أن بعضهم يقنع الطائفية بقناع العلمانية تارة ، وبقناع الدين تارة أخرى ، فهم بذلك يناقضون أنفسهم في كلا الأمرين .
كاتب عربي
Thaaer-1@hotmail.com


دمشق - طهران .. والسير في حقل الألغام




بعد نجاح سياسة الابتزاز التي أصبحت من اللوازم الأساسية لسياسة النظامان السوري والإيراني تجاه منطقة الشرق الأوسط الموبوءة بالأزمات المشتعلة ، يجري التلويح بين الحين والآخر بصيغة ، أنه لطالما كانت مفاتيح الحل بيد دمشق وطهران ، فإن عواصم القرار الدولي والإقليمي ، ستحط رحالها تباعاً في عاصمتي التأزيم والحل ، كما جرى مع الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي بخصوص أزمة الرئاسة اللبنانية ، ومع الغرب بخصوص الملف النووي الإيراني .
دمشق وطهران ، نجحتا وبدون أدنى شك في إتقان سياسة خلق الأزمات ، بما يشبه الفوضى البناءة ، ومن ثم بيع الحل لمن يهمه الأمر بأثمان مختلفة ، فسياستهما تقارب في كثير من الأحيان حافة الهاوية ، فهما كمن يزرع ألغاماً في حقل يتجه طريقه نحو الأمام ، فلاهما يستطيعان العودة إلى الوراء ، ولا غيرهم يستطيع التقدم للأمام ، نظراً لخطورة الألغام ، وانعدام معرفتهم بخريطة انتشارها .
وبما أن الكوارث الناجمة عن تلك الألغام ، خطيرة وكبيرة وضحاياه كُثُر ، فإن مصلحة الآخرين في نزع فتيلها تبدأ أولاً من مفاوضات هدفها النهائي ، الحل مقابل الثمن ، والحل يتجلى في نزعهما للألغام ، التي قاما بزرعها في لبنان حيث يوجد حزب الله ، وفي اليمن جماعة الحوثي ، وفلسطين توجد حماس ، وفي العراق خليط لا ينتهي من الألغام ، عدا عما يوجد في السودان الخليج العربي .
هذا بالنسبة لطريق الحل، أما الثمن المطلوب تقديمه، يتأكد في ضمان عودتهما من الضفة الأخرى فوق حقل الألغام، كقوة إقليمية لا يستهان بقدرتها، والاعتراف بدورهما المباشر في المنطقة.
لعل المصالحة العربية التي لم يكتمل عقدها بعد ، تدخل في إطارها العام ضمن النيات الحسنة لمن تمناها لصالح المنطقة ، لكن اكتمالها لازال مشروطاً حتى الساعة بالتفاهم على رزمة القضايا ، قبل الشروع في تنقية الأجواء ومصارحة النفس ، لهذا بدت المصالحة على هيئة مصالحات ثنائية ، لأجل المصالح أولاً ، وليس لأجل الصالح العربي أو الإقليمي .
ولطالما كانت ملفات المنطقة كثيرة ومتشعبة ، فإننا أمام عدة حقول ، لكل حقل منها خفير إقليمي يتلقى إشارة البدء أو التوقف حسب المناخ السياسي ، والمثير في الأمر ، أن مبدأ الفوضى البناءة الذي أطلقته إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش ، جار العمل به ، ليس من إدارة الرئيس اوباما التي تبحث عن المخرج الملائم بعدما ضمنت مصالحها ، بل من دمشق وطهران اللتين تقفان ظاهرياً في الاتجاه المعاكس لخط واشنطن ، وعملياً تجلسان أمام طاولة التفاهم معها أو مع من ينوب عنها .
تلك هي سياسة الابتزاز الخشنة بعدما تلبدت سياسة القوة الناعمة ، وعلى المنطقة التآلف معها ما أمكن .
كاتب عربي
Thaaer-1@hotmail.com