الاثنين، 31 أغسطس 2009

النظامان السوري والإيراني : صناعة الفوضى


ثائر الناشف
بُعيد انتهاء العمليات العسكرية في العراق عام 2003، روج النظام السوري في أوساطه الأمنية ، أن الدور القادم عليه ، ولابد من التحرك في الاتجاه المعاكس ، وهو ما ساهم في فتح أبواب العنف على مصراعيها منذ اليوم الأول للحرب الاميركية على العراق ، تحت مسمى دعم "المقاومة" والمجاهدين ، وكأن العراق بحاجة إلى مَن يقاتل عنه ويذود عن أرضه ، وهو الذي لم يصدق نفسه في التخلص من نظام صدام حسين .
الأجندة الأمنية ولا نقول السياسية ، بين دمشق وطهران هي ما تفسر التدخل المستمر في الساحة العراقية واللبنانية والفلسطينية من خلال استخدام بعض التنظيمات المتطرفة كـ"القاعدة" و"حزب الله" و"حماس" في تنفيذ سلسلة من المشاريع الانقلابية وذلك بغرض صنع المشكلة ومن ثم إيجاد الحل بانتظار قبض الثمن ، وقد ألمحت طهران بذلك في جلسات الحوار مع أميركا ، ولم تتردد في الإفصاح عن أملها بملء الفراغ العراقي .
رغم الافتراق الواضح في المصالح السورية والإيرانية حول العراق ، إلا أن الهيمنة الإيرانية على دوائر صنع القرار السوري وارتباط الأجهزة الأمنية السورية بحليفتها الإيرانية ارتباطاً عضوياً مباشراً ، تتحكم طهران في توجيه مسارها وتحديد أدوارها ، جعلت أمن النظام السوري جزءاً لا يتجزأ من أمن النظام الإيراني ، وقد وصل في أحد وجوهه إلى حد رفع الأعلام الإيرانية وصور مرشدها الأعلى في أهم المعالم التاريخية لدمشق.
ألا يعني قولُ الرئيس السوري بشار الأسد لصحيفة لاريبوبليكا الإيطالية، إنه لا يجب أن ينظر إلى الدور الإيراني في العراق بطريقةٍ سلبية ، اعترافاً غير مباشر بوجود هذا الدور الذي تعدى دور المحتل الاميركي نفسه ، و هل الخوف على استمرار سلطة النظام السوري في دمشق تبرر الدخول إلى بيت الجار العراقي ولو من باب الفوضى .
إن رد النظام السوري على ادعاءات الحكومة العراقية التي اتهمته بإيواء مخططي ومنفذي تفجيرات الأربعاء الأسود ، بأنها غير أخلاقية ولا تستند إلى المنطق السياسي ولا القانوني ، كذر الرماد في العيون والضحك على الذقون ، فعندما يحاجج النظام السوري من باب سد الذرائع بأنه أكثر من كافح الإرهاب في عقد السبعينات والثمانينات ، فكيف للبعض أن يتهمه بدعمه وإيواءه اليوم ، لنا أن نساءل في عجالة لتتضح معالم الصورة من جميع الجوانب ، أي إرهاب كافح ؟ هل لي ذراع الفصائل الفلسطينية في جنوب لبنان وعلى رأسها حركة فتح ، نوع من مكافحة الإرهاب ، ولصالح مَن ؟ أم أن مكافحة الإرهاب تجلت في تدمير مدينة حماة عن بكرة أبيها على يد ميليشيا الجنرال رفعت الأسد ، لخلاف مع جماعة الإخوان المسلمين كان بالإمكان احتواءه لو ترك للعقل مكاناً وسط غرائز العنف الهائجة .
ولطالما رفض النظام السوري التعاطي مع عراق ما بعد صدام من قبيل الحفاظ على "المصلحة القومية" التي ترفض الاعتراف بشرعية الواقع السياسي المنبثق من رحم الاحتلال ، فما الذي حمله على الاعتراف بهذا الواقع ، أهي الضغوط الاميركية التي ما فتئت تطالبه مراراً وتكراراً في تغيير سلوكه المتماهي مع السلوك الإيراني سواء في العراق أو لبنان ، أم أنها ضرورات التحالف مع إيران ، التي تبيح فعل المحظورات ، وهذا يقودنا إلى السؤال عن التضامن العربي الذي ينادي به النظام السوري قبل غيره ، والذي من المفروض أن يضع حداً للتدخلات الإقليمية في حدها الأدنى.
لقد كشفت الغارة الاميركية على بلدة البوكمال في أقصى شرق سورية على الحدود مع العراق ، وما تسرب عنها من معطيات ، بعضاً من الحقائق المتعلقة بدعم وتأييد تنظيم القاعدة، لكن السؤال الأبرز، كيف تلاقت إيديولوجية النظامين السوري والإيراني مع فكر القاعدة في العراق ؟ والأهم من ذلك ، هل توقف هذا التلاقي عند حدودٍ معينة .
يبدو أن النظام السوري لم يتعلم من الدرس اللبناني جيداً ، وينسى أن الذين أخرجوه من لبنان هم أصدقاء الأمس ، وأن حكومة بغداد التي أحرجته أمام العالم وفاجأته بالأدلة ، من ضيوف معارضة نظام صدام .
أخيراً ، قد يكون مفهوماً شكل الفوضى التي تقوم بها إيران في العراق على طريق تحصيل الثأر التاريخي والقومي والمذهبي ، لكن ما هو غير مفهوم ، احتضان النظام السوري لمليون ونصف لاجئ عراقي وبذات الوقت يوغل في الدم العراقي ، متناسياً جولانه المحتل منذ عام 1967 .
Thaaer-1@hotmail.com




الأحد، 30 أغسطس 2009

العراق الجاني والمجني عليه


ثائر الناشف
من يتحمل مسؤولية العنف والفوضى في العراق ؟ على إثر هذا السؤال تتوزع المسؤوليات بين القوات الاميركية والحكومة العراقية ودول الجوار الإقليمي وخصوصاً إيران والنظام السوري .
لكن ، ألا يمكن تحميل العراقيين أنفسهم مسؤولية ما آلت إليه أوضاع بلدهم ؟ فمن الذي أجج نار الطائفية وشكل الميليشيات المذهبية وأقام الحواجز الإسمنتية بين المدن والقصبات ، أليسوا العراقيين أنفسهم ، ومَن الذي سلم مستقبل بلده للمرجعيات الدينية ، أليسوا العراقيين ؟.
بالمقابل ، إذا كان البعثيين والصداميين هم مَن قام ويقوم بكل هذه العمليات التفجيرية ، وعلى الخط الآخر تنظيم القاعدة ، لجهة القيام بالعمليات الانتحارية ، أليس هؤلاء عراقيين ؟ ولماذا كل هذه الجلبة والضجة الإعلامية ، بالقول إن المفجرين والانتحاريين يتسللون إلى أرض العراق من دول الجوار ليعيثوا به قتلاً وفساداً ؟.
قد يكون بعض هؤلاء الانتحاريين ليس من العراق ، كتنظيم "أبو مصعب الزرقاوي" ، لكن ماذا نقول عن " أبو غادية" وجماعة "جند السماء" ، ومن يدعي أنه المهدي المنتظر ، أليس العراق مَن يجني على نفسه قبل أن يجني عليه الآخرون ؟.
إذا ما ذهبنا إلى القول إن العراق جنى على نفسه كما جنت براقش على أهلها ، قد يتهمنا البعض بالتعدي على أعرق حضارة عرفها التاريخ الإنساني ، حضارة أرض الرافدين ، التي تحولت مسرحاً لتصفية الحسابات الإقليمية والتاريخية .
الحضارة في نظر بعض سفسطائيي العراق ، لا تنتج العنف ولا التطرف ، فمن أي حضارة هبط الصداميين والصحويين والصدريين ، ألم يأتوا من الرحم العراقي ، مثلما أتى المتنبي وأبو النواس من ذات الرحم .
إذن ، العنف في العراق ليس وليد لحظة سقوط نظام صدام حسين ولا بدخول القوات الاميركية إليه ، إنما هو حالة قديمة قدم العراق والحضارات التي تعاقبت على أرضه ، فلم يذق هذا البلد طعم السلم إلا في فترات قصيرة متباعدة .
ولا يفوتنا أن العنف لم يوفر آل بيت رسول الله (ص) وهم في مراقدهم ، كما حصل مع مرقد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري رضي الله عنهما في سامراء قبل ثلاثة أعوام ، وقبله بمئات السنين شهد العراق أكبر عملية اغتيال سياسي في التاريخ الإسلامي للإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ونجله الإمام الحسين عليه السلام ، بغض النظر عن المنفذ والدوافع السياسية التي دفعته آنذاك ، ولازال هذا الاغتيال الدامي يلقي بظلال من العنف يدفع المسلمون ثمنه الأكبر .
وبالنظر إلى النصف الممتلئ من الكأس ، يظهر جلياً أن الحسابات التاريخية الضيقة لإيران ، مازالت تتمترس خلف ذهنية الثأر والانتقام منذ آلاف السنين ، وهي الآن تفعل فعلها الانتقامي في العراق ، الذي خاض معها أشرس الحروب على مر التاريخ البشري .
عندما يكون العراق في حالة ضعف ، تكون إيران في حالة انتقام للتاريخ الذي تفتت فيه عروش أمبرطوريتها العظمى ، هذه المعادلة الخاضعة لتوازن القوى الإقليمي ، يُجنى فيها على العراق أكثر مما يجني على نفسه ، إذا ما استبعدنا منها توازن المصالح الحزبية والمذهبية .
أما عندما يكون النظام السوري في زواج مقدس مع ملالي قم ، فلا غرابة أن تتوحد أجندتهما السياسية في زعزعة العراق تمهيداً لملء فراغه .
Thaaer-1@hotmail.com

الجمعة، 28 أغسطس 2009

حماس على طريق الإمارة


ثائر الناشف
قد يكون مفهوماً أن يغدو قطاع غزة حكراً على حماس وحدها ، لكن غير مفهوم أن تطعن بشرعية الفصائل الفلسطينية التي سبقتها في حمل راية المواجهة مع إسرائيل ، بمعنى أن المراحل التي سبقت ظهور حماس على الساحة لا يعتد بها من وجهة نظرها ، ابتداءً من منظمة التحرير الفلسطينية إلى ما هو عليه الحال اليوم .
والحال في الضفة والقطاع أسوأ بكثير من الحال داخل الخط الأخضر ، والذي قد يكون أهله في نعيم لا يقاس أمام جحيم انقسام الأخوة داخل أراضي عام 1967 ، على الأقل لا يوجد داخل الخط الأخضر انقلابات ولا تصفيات أو سجون بين الأخوة ، حتى لو مارسها الاحتلال على شكل اجتياحات وتوغلات واغتيالات ، فان أثرها أقل وقعاً على النفس ، لاسيما عندما يمارسها الأخ تجاه أخيه .
فماذا يمكن أن نسمي رفض حماس الاعتراف بشرعية المجلس الوطني الفلسطيني واللجنة التنفيذية المنبثقة عنه ، وبذات الوقت تقاتل لأجل الاحتفاظ بنصيبها من سلطة أوسلو ، فهي تقبل الانضواء في عملية أوسلو ، إذا ضمنت لها الفوز في الانتخابات التشريعية بأغلبية ساحقة ، وترفض الاعتراف بمنظمة التحرير إذا لم تكن مفصلة على مقاسها ، أي أن يكون لها حصة لا تقل عن حصتها في الحكومة .
حماس تريد اختزال القضية الفلسطينية بمصائب غزة وأهوالها ، أي الظهور بمظهر "الممانع" لكل أشكال الحصار ، و"المقاوم" لكل الحروب ، والآخرين في الضفة والشتات ليسوا سوى أجراء للاحتلال يلهثون وراء سراب السلام الخادع .
إذن ، يحق لحماس أن تفعل بغزة ما تشاء ، ولا يحق لغيرها أن يحرك ساكناً ، فهي تمنع أي فلسطيني ينوي السفر إلى الضفة بداعي مشاركة إخوانه في مؤتمرهم العام كما جرى مع مؤتمر فتح السادس ، وهي تمنع حجاج بيت الله الحرام من مغادرة أراضي القطاع إلى مصر ومن ثم إلى الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج ، إذا كان موقفها السياسي لا يتطابق مع موقف سكان الضفة وتالياً مع موقف مصر ، وهي تخلق المناخ الملائم لنمو التطرف جراء الحصار والإغلاق وفقدان الناس لمصدر رزقهم وعيشهم من المساعدات والإغاثة الأممية ، فضلاً عن فقدانهم لرواتبهم من بنوك الأسرة الدولية ، وآخر صور هذا التطرف تمثل بظهور جماعة أنصار جند الله وإعلانها القطاع إمارة إسلاموية .
وبالمقابل ، لماذا تستحي حماس الإعلان عن إماراتها الإسلاموية على أنقاض ما دمرته آلة الحرب في غزة ؟ هل لأن ذلك يغضب الحلفاء في دمشق وطهران خشية من إثارة مخاوف دول الجوار وعلى رأسهم مصر ولبنان والأردن من حتمية ولادة ولاية حزب الله في لبنان أسوة بإمارة حماس ؟ إذا كان هذا التحليل صحيحاً ، فإن حماس تلعب لعبتها بصمت وتسير على طريق الإمارة بتأنٍ وتمهل ، ولأجل ذلك تصارع الوقت ، أكثر مما تصارع إسرائيل ، لتثبيت وتعضيد أركان إمارتها الفتية ، وهو ما يفسر تعثر جهود الحوار الوطني في إنجاز المصالحة المرجوة .
Thaaer-1@hotmail.com





الجمعة، 21 أغسطس 2009

الزعامة من حصة الأسد

ثائر الناشف
ما الذي دفع بشار الأسد إلى رفع سقف تصريحاته رداً على تدخل الغرب في انتخابات الرئاسة الإيرانية ؟ سؤال قد يبدو للبعض غامضاً ، لكنه في حقيقة الأمر ، لا يعدو كونه شعوراً بـ"النصر" ، النصر في إجراء الانتخابات الإيرانية ، وفوز احمدي نجاد ، ولو عن طريق تزوير إرادة الناخبين والتغرير بهم ، والنصر في اعتقال واحتجاز مئات المحتجين على الانتخابات ، والنصر على النصر ، لا يعني سوى النصر على الوهم .
يبدو أن الأسد يحذو حذو تصريحات نجاد النارية التي عزلت إيران عن محيطها الدولي ، وبذات الوقت أعادت انتخاب نجاد رغماً عن أنف الإيرانيين وبمباركة وتأييد المرشد الأعلى ، وهو ما يفسر الوحدة التي تغنى بها الولي الفقيه في حضور الأسد .
أياً كانت خطب نجاد ، وفي أي اتجاه ذهبت ، فإن الأسد أشد حرصاً على عدم استفزاز الغرب وتوتير العلاقة معه ، فالملفات التي في يده ، هي ذاتها في يد طهران ، ما يجعل هامش المناورة حكراً لدى الأخيرة وحدها ، فإذا ناور الأسد ، فإنه يناور على حسابها ، وإذا صرح ، فإنه يصرح باسمها ، وهذا ما حصل في زيارته الأخيرة لها .
تراكم الملفات العالقة بين إيران والغرب ، سيصار إلى التحرك صوبها إن عاجلاً أو آجلاً ، ولا يعني التحرك إذا ما جرى ، نصراً مؤزراً كما تحب أن تفهم ، ويشاركها الأسد هذا الفهم الخاطئ ، أو لنقل فهم استباق الأمور قبل وقوعها على أنها نصر مبين ، للتقليل ما يمكن من الخسائر والتنازلات المتبادلة حول تلك الملفات وعلى رأسها الملف النووي والعراقي .
وبالعودة إلى السؤال الأول ، تبدو الإجابة عنه متشعبة وتطرح في داخلها احتمالات عديدة ، قد يكون الأسد حصل على ما كان يريده من زيارة رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي ، وقبلها زيارة الوفد العسكري الاميركي ، وقد يكون انتابه شعور بالزعامة الإقليمية ، وهو يرى أعمدة الدخان ترتفع في كل بقعة ، حتى في طهران التي ارتبط بها ارتباطاً عضوياً ، فيما دياره منيعة في وجه العواصف .
لطالما ورث الأسد الابن أبيه في السلطة ، فلماذا لا يرث الرئيس جمال عبد الناصر في الزعامة ؟ لاسيما وأن الأسد الأب ، فعل المستحيل لسحب بساط الزعامة من تحت أقدام عبد الناصر ، لكن من دون جدوى ، رغم هزيمتهما المدوية في حرب الأيام الستة 1967 .
أمنية لم تتحقق للأب فما الذي يحول دون تحقيقها للابن ؟ ما يحول أن عصرنا هذا ، ليس عصر الزعامات المهزومة ولا المأخوذة بأبهة النصر الإلهي ، فالزعامة الحقيقة تجيب عنها وكالة أنباء النظام السوري التي تغاضت عن إيراد تصريحات رئيسها كاملة ، وهي أن لا تصرح شرقاً وتلحس بطرف لسانك ما صرحت غرباً .
Thaaer-1@hotmail.com