الأربعاء، 25 نوفمبر 2009

مأسسة الطائفية في سورية


ثائر الناشف
ليس حديثنا اليوم سرداً ذاتياً، بقدر ما هو غوص في الأعماق، وذلك بحثاً عن الإجابات للأسئلة الكثيرة التي طرحها المهتمون بالشأن السوري، وقد يطول أو لا يطول بنا المقام في استقصائها قدر ما استطعنا.
بما أن الحديث القديم - الجديد الدائر عن الطائفية في سورية ، بات محوراً لكل المتابعين ، فإننا وبكل موضوعية سنضع القارئ أمام ملاحظات حية من وحي الواقع السوري الراهن ، بما يتوافق أو يتعارض مع أطروحات النظام السوري و المعارضة ، لكن الحقيقة لا بد أن تقال ، حتى وأن كانت نسبية على مراحل متتالية ، إدراكاً منا باستحالة امتلاكها ، إلا أن الاقتراب منها ، يعني التعرف عليها وتعريف الآخرين بها .
والحقيقة أن الطائفية مثلها مثل أي عملة، لها وجهان، وجه أبيض ووجه أسود، ولا نقول وجه حسن وآخر قبيح، احتراماً لعقل القارئ ومشاعره النبيلة.
يظهر الوجه الأبيض للطائفية في كونها حقيقة قائمة في كل مجتمع إنساني على وجه الأرض ، ورغم اندراجها في خانة الأقليات ، إلا أن بياضها كناية عن الغنى الثقافي والتراثي ، فضلاً عن صور التعايش والتسامح القائمة بين أفرادها .
أما الوجه الأسود، فيتجلى في الاتجاهات التعصبية لطائفة بعينها، وذلك عبر رفضها العيش والتعايش مع الآخر، ورفضها الاعتراف بكيانه السياسي والاجتماعي ، بما يصل بها المقام إلى حد الاستعلاء الباعث على تكريس العنصرية في نهاية المطاف كأحد أوجه العصبية الطائفية .
هذان الوجهان الطائفيان يتداخلان أشد التداخل في سورية اليوم ، والدليل على الطائفية وعلى سقمها ، الذي لا يحتاج إلى طبيب أو باحث ، أنها واضحة وضوح الشمس في رابعات النهار ، لكن الجديد في المسألة ، أن الطائفية لم تعد بوصفها داء مقيتاً ، حلقة مفرغة من حلقات النظام السوري تدور في ثناياها السلطة والمجتمع في ما يشبه الشرنقة التي استحوذت على الداخل بفعل تأثيرات المحيط الإقليمي ، وهي لم توفر أحداً من مثقفي النظام ، بل غدت الطائفية ككيانات متعددة في جسم واحد ، هو جسم النظام .
فثمة كيان عسكري وآخر سياسي وثقافي وحتى فني ورياضي ، إلى الحد الذي جعل الطائفية في سورية مؤسسة قائمة بذاتها ، أي اختزال الطائفية في مؤسسات الدولة الوطنية الأولى منذ الاستقلال ( الأول ) أو لنقل مأسستها ، أي مأسسة الطائفية من خلال ترويضها وتوظيفها في مؤسسات الدولة .
كما لا يمكن تحميل تيار سياسي بعينه ، مسؤولية الإغراق الطائفي للمجتمع ، بما في ذلك حزب "البعث" ، الذي لا يملك من أمره شيئاً ، سوى أنه كان ولا زال حتى الأمس القريب واجهة من واجهات السلطة ، وبالتالي ستر عوراتها الطائفية .
بكل الأحوال ، لا يوجد أدنى مبرر لاستفحال أزمة الطائفية والتهامها لهياكل الدولة كما في الحالة السورية ، سوى الخوف من المصير المجهول الذي ينتظرها في المستقبل ، والسؤال هنا ، ما الذي دفعها ودفع النظام السوري إلى مأسسة ذاته الطائفية ، أهو الخوف من الماضي على حساب معطيات الحاضر ؟.
يعلم النظام السوري ، كما نعلم واقع الطائفة العلوية وموقعها في بنية المجتمع السوري من النواحي كافة ، كما نعلم حجمها السياسي والثقافي في الماضي والحاضر ، وهو يتساوى إلى حد كبير ما لدى الطوائف الأخرى من تاريخ وحضور كبيرين على الساحة السورية ، لكنه وبجميع الأحوال ، لا ينبغي لأحد أن يسمح لنفسه أو لطائفته بتخطي حدود الدولة باسم الوطنية أو الهوية السورية ، حتى الأخيرة باتت مزيفة بفعل الطائفية .
فما معنى أن يحمل السوري هوية لا يستطيع بها أو من دونها ، أن يصبو إلى أحلامه وأهدافه ، لتبقى من نصيب غيره ، من ذوي اللون الذي يتطابق مع لون النظام ، ولا نبالغ إذا ما قلنا ، أن الهوية السورية جرى قضمها بفعل التزييف والتهميش ، فهي ثمينة في سوق النظام ، ورخيصة في سوق السواد الأعظم .
إن الطائفية في سورية ليست حالة اجتماعية مثلها مثل الحالة اللبنانية أو العراقية ، لقد كانت بالأمس البعيد حالة اجتماعية لا علاقة لها بالدولة ، لكنها باتت اليوم حالة سياسية مقنعة ، أتت على المجتمع والدولة ككل واحد ، وأخطر ما في الأمر انتقالها المنظم من ثنايا المجتمع إلى قلب السلطة فالنظام ، ولا نعلم إلى أين ستصل مستقبلاً .
Thaaer-1@hotmail.com

الأحد، 1 نوفمبر 2009

سورية ... القمع خبز الثورة



ثائر الناشف
بالوقت الذي يمعن النظام السوري في اعتقال معارضيه ، تتوهم المعارضة السورية بمختلف أطيافها في إمكانية المصالحة معه ، أو انتظار التغيير القادم الذي في اعتقادها ينبغي أن يكون سلمياً وديمقراطياً كمحاولة منها لتجنيب نفسها وهياكل الدولة المهترئة أصلاً بفعل الفساد والاستبداد ، ومعهما المجتمع السوري من عواقب وويلات ما حصل ويحصل في العراق من كوارث ونزاعات ، فهي بذلك ، أي المعارضة ، تضع النظام والرأي العام عند حقيقة أهدافها الواضحة حول أولوية التغيير السلمي ، وبعضها الآخر لا يمانع في السير على طريق الإصلاح المتدرج الذي يروج له النظام وبالتالي المصالحة معه .
أهداف المعارضة في جملتها تكاد أن تكون إيجابية لجهة انتهاجها لمبدأ سلمية التغيير وابتعادها عن الطرق الراديكالية ، تظهر إيجابيتها في نظر المحيط العربي المتربص دائماً من أي حركة تغيير تأتي من حوله ، ويكفي ما حصل حتى الآن في دول الرابطة المستقلة ( الاتحاد السوفيتي سابقاً ) من انهيارات متتالية لنظم الحكم وثورات ملونة لعروش الفساد والاستبداد الأحمر ، غير أن هذا المحيط العربي والإقليمي وحتى الدولي ، لا يملك أدنى تأثير على حركة الشعب إذا ما أراد التحرك نحو تصحيح وتصويب مساره التاريخي ، مهما امتلك هذا المحيط من وسائل التأثير التي تحول دون حدوثه أو على الأقل تأجيله حتى إشعار أخر إلى أن تتضح صورة المشهد السياسي لمستقبل المنطقة على المدى المتوسط والبعيد .
لكن استمرار المعارضة السورية على تمثل تلك الأهداف في كل نشاطاتها وحراكها السلمي أصلاً ، لا يعني أن التغيير القادم ولو بعد حين، سيأتي بفعل تراكمية أهدافها ودعواتها غير المنقطعة لبلوغ هدف التغيير ، لأن المواجهة في الأساس ليست محصورة بين المعارضة والنظام ، وأياً كانت درجة تمثيل المعارضة لفئات الشعب السوري وحجم ومستوى ذلك التمثيل ، ستظل المواجهة قائمة في اليوم أو في الغد بين رؤوس النظام وأركانه وبين شرائح المجتمع السوري بمختلف ألوانها السياسية والعرقية التي اكتوت بنار الاستبداد والقمع التهميش والنهب والهزائم المهينة لكرامة الذات .
فلا نستطيع تصور حدوث التغيير في سورية بضغطة زر أو بعصا سحرية يملكها أحد اللاعبين الكبار على الساحة السياسية ، كما لا نستطيع تصور حدوث التغيير والشعب في حالة غيبوبة كاملة لم يستفيق منها بعد ، لذا ، لن يبشره مبشر بحدوث ما كان يتمنى حدوثه ، من دون حدوث الصحوة في ضميره ووجدانه المنقطع عن الحياة بفعل القمع الممنهج .
كما لا نستطيع أن نبحر في تصوراتنا تلك ، من دون أن نتلمس العوامل المؤدية لحدوث التغيير ، وأول تلك العوامل ، الشعور بامتلاك إرادة التغيير الجماعية وليس الفردية ، يؤازرها في المقابل ، استفاقة جماعية تؤدي إلى الخروج عن صمت المقابر ، ولعل العامل الوحيد الذي يمكن أن يؤدي إلى حدوث التغيير هو القمع .
إن القمع الممنهج الذي أصبح ديدن النظام السوري وأساس وجوده الطارئ ، لازال يمارسه منذ أربعين عاماً ، ولم يوفر أي فئة من فئات المجتمع السوري كخصم تاريخي وعدو تقليدي ، يزداد أثره وتأثيره في خلق الوعي المسلوب بفعل القمع والحرمان الناتجين عن سياسة التكميم ، من شأنه أن يؤدي إلى تثوير المجتمع بما يخالف ولو لمرة واحدة حساباته وتوقعاته المستقبلية .
لم يعد الجوع ما يدفع الشعوب نحو الثورة ضد الطبقات المُستغِلة للقمة عيشها ، بقدر ما بات القمع الذي يوغل النظام السوري في ممارسته بحق الشيوخ كما جرى مع عميد الحقوقيين العرب الأستاذ هيثم المالح ، وبحق الأطفال والنساء ، سواء كانوا من رعاياه أو من الأشقاء العرب المستضعفين في أرضهم المحتلة كما حصل مع السيدة الأحوازية معصومة الكعبي وأطفالها الخمس .
وبالرغم من نجاح النظام السوري في إحكام قبضته الأمنية على كل مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية في سورية وما يحيطها من فوضى بناءة تضرب أرجاء المنطقة العربية ، إلا أنه فشل في تقديم الصورة البراقة عنه كنظام مؤسساتي ، بقدر ما أضفى على نفسه صورة النظام الاحتلالي الذي لا تختلف ممارساته كثيراً عن ممارسات أي محتل آخر للأرض والإنسان .
يعلم النظام السوري في سره ومن وحي قراءته للتاريخ ، أن الأبدية التي يرفع شعارها عالياً ليست من صفات الإنسان ، مهما طغى وتجبر على أخيه الإنسان ، وأن مياه النهر الراكدة ، رغم السدود والموانع ، لن تبقَ على حالها من دون أن تدفع بها مياه أخرى أشد وأقوى غزارة إلى مكان يليق بركودها الطويل .
ويعلم أيضاً ، أنه وبسلوكه القمعي ، يؤسس لتلك اللحظة التاريخية الفارقة التي ستكون بمثابة الصدمة الكهربائية أو لنقل الحجر الذي سيحرك مياهه الراكدة ، والباعث بكل الأحوال على المواجهة الساخنة بين القامع والمقموع ، بعيداً عن كل الاعتبارات السياسية الأخرى ، ومقولات التغيير الناعمة .