الأحد، 30 أغسطس 2009

العراق الجاني والمجني عليه


ثائر الناشف
من يتحمل مسؤولية العنف والفوضى في العراق ؟ على إثر هذا السؤال تتوزع المسؤوليات بين القوات الاميركية والحكومة العراقية ودول الجوار الإقليمي وخصوصاً إيران والنظام السوري .
لكن ، ألا يمكن تحميل العراقيين أنفسهم مسؤولية ما آلت إليه أوضاع بلدهم ؟ فمن الذي أجج نار الطائفية وشكل الميليشيات المذهبية وأقام الحواجز الإسمنتية بين المدن والقصبات ، أليسوا العراقيين أنفسهم ، ومَن الذي سلم مستقبل بلده للمرجعيات الدينية ، أليسوا العراقيين ؟.
بالمقابل ، إذا كان البعثيين والصداميين هم مَن قام ويقوم بكل هذه العمليات التفجيرية ، وعلى الخط الآخر تنظيم القاعدة ، لجهة القيام بالعمليات الانتحارية ، أليس هؤلاء عراقيين ؟ ولماذا كل هذه الجلبة والضجة الإعلامية ، بالقول إن المفجرين والانتحاريين يتسللون إلى أرض العراق من دول الجوار ليعيثوا به قتلاً وفساداً ؟.
قد يكون بعض هؤلاء الانتحاريين ليس من العراق ، كتنظيم "أبو مصعب الزرقاوي" ، لكن ماذا نقول عن " أبو غادية" وجماعة "جند السماء" ، ومن يدعي أنه المهدي المنتظر ، أليس العراق مَن يجني على نفسه قبل أن يجني عليه الآخرون ؟.
إذا ما ذهبنا إلى القول إن العراق جنى على نفسه كما جنت براقش على أهلها ، قد يتهمنا البعض بالتعدي على أعرق حضارة عرفها التاريخ الإنساني ، حضارة أرض الرافدين ، التي تحولت مسرحاً لتصفية الحسابات الإقليمية والتاريخية .
الحضارة في نظر بعض سفسطائيي العراق ، لا تنتج العنف ولا التطرف ، فمن أي حضارة هبط الصداميين والصحويين والصدريين ، ألم يأتوا من الرحم العراقي ، مثلما أتى المتنبي وأبو النواس من ذات الرحم .
إذن ، العنف في العراق ليس وليد لحظة سقوط نظام صدام حسين ولا بدخول القوات الاميركية إليه ، إنما هو حالة قديمة قدم العراق والحضارات التي تعاقبت على أرضه ، فلم يذق هذا البلد طعم السلم إلا في فترات قصيرة متباعدة .
ولا يفوتنا أن العنف لم يوفر آل بيت رسول الله (ص) وهم في مراقدهم ، كما حصل مع مرقد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري رضي الله عنهما في سامراء قبل ثلاثة أعوام ، وقبله بمئات السنين شهد العراق أكبر عملية اغتيال سياسي في التاريخ الإسلامي للإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ونجله الإمام الحسين عليه السلام ، بغض النظر عن المنفذ والدوافع السياسية التي دفعته آنذاك ، ولازال هذا الاغتيال الدامي يلقي بظلال من العنف يدفع المسلمون ثمنه الأكبر .
وبالنظر إلى النصف الممتلئ من الكأس ، يظهر جلياً أن الحسابات التاريخية الضيقة لإيران ، مازالت تتمترس خلف ذهنية الثأر والانتقام منذ آلاف السنين ، وهي الآن تفعل فعلها الانتقامي في العراق ، الذي خاض معها أشرس الحروب على مر التاريخ البشري .
عندما يكون العراق في حالة ضعف ، تكون إيران في حالة انتقام للتاريخ الذي تفتت فيه عروش أمبرطوريتها العظمى ، هذه المعادلة الخاضعة لتوازن القوى الإقليمي ، يُجنى فيها على العراق أكثر مما يجني على نفسه ، إذا ما استبعدنا منها توازن المصالح الحزبية والمذهبية .
أما عندما يكون النظام السوري في زواج مقدس مع ملالي قم ، فلا غرابة أن تتوحد أجندتهما السياسية في زعزعة العراق تمهيداً لملء فراغه .
Thaaer-1@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق