ثائر الناشف
لا تبدو المقاربة بين الإسلام والإرهاب صائبة من كل الزوايا ، فليس كل فعل إرهابي ، مهما اشتدت حركته واتسعت دائرة تأثيره ، يعني العنف ، حينها يمكننا اختصار المسافة الفاصلة بينهما ، والقول إن العنف هو ديدن الإسلام ، ويتضح العنف من خلال نتائجه التدميرية على المادة قبل الروح .
ففي إحدى زوايا الربط بين الإسلام والإرهاب، أنه يعني الردع ، أي رد الفعل إلى أساسه الذي يحاول الارتداد منه ، وبالتالي منعه من التحقق ، فيما يشبه الترهيب النفسي الذي يحول دون تحقيق أهدافه .
فالارتكاز على معنى واحد ، قد لا يعفي الباحث من تهمة التحيز إلى تبني رؤية دون الأخذ أو الإشارة إلى الرؤية الأخرى ، لهذا فإن الاشتغال على أحد المعنيين السالفين ، لا بد أن يؤدي إلى المعنى الآخر ، وإلا فأن التحيز هو التهمة الجاهزة دائماً في كل زمان ومكان .
ولطالما أشرنا إلى عدم صوابية الربط بين الإسلام والإرهاب ، فهذا لا يعطي مسبقاً شهادة البراءة ، لكلٍ من المفهومين السابقين ، وعلاقة بعضهما ببعض ، ولعل صور المعارك الدامية في الصومال بين الأحزاب والجماعات الإسلامية ، وكذلك التفجيرات المدمرة في جمهورية باكستان الإسلامية ، تقدم البرهان القاطع من تلقاء نفسها ، ودون أدنى مواربة أو محاولة لتجميل الصورة أو الالتفاف على حقيقتها ، وذلك بأن العنف هو الذي يتحكم بإدارة دفة الصراع بين الإسلاميين أنفسهم ، وأن القول الفصل لمن يمارس العنف بصورة أشد دموية على خصمه ، باعتبار أن الدم يستسقي الدم ، وبالتالي فإن العنف يستسقي العنف في كل جولة من جولات
الصراع .
غير أن هذا العنف ، سواء كان في الصومال أو باكستان ، يؤكد لنا أنه في اتجاه واحد ، أي أنه صراع إسلامي – إسلامي ، قبل أن يكون صراعاً إسلامياً – غربياً ، ولو أنه يدعي " الجهاد " بداية ، ثم لا يلبث أن يطلق النار على نفسه ، فهل أن الأمر في أساسه يتعلق بالصراع على السلطة ، كما حدث في الجزائر في مطلع تسعينيات القرن الماضي وفي أفغانستان إثر تدخل الولايات المتحدة على خلفية هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، وأن كان جله تحت شعارات الإسلام ، أم أنه لا يعدو كونه سلوكاً مغروساً في كينونته المفطورة على العنف ، سواء قبل الإسلام أو بعده .
في الواقع أن الإجابة على السؤال السابق ، قد تبدو معقدة ومتشعبة في آن معاً ، لأنه إذا كان أساس هذا العنف ، مجرد الصراع على السلطة ، فلا شيء يبرر ربطه بالإسلام ، ففي أصقاع إفريقيا تدور صراعات شتى على السلطة ، ولنا في جنوب إفريقيا أوضح مثال ، وكذلك الحال في أسيا ، إذا ما أخذنا سيرلانكا في الحسبان .
كما لا نستطيع الجزم أن العنف المتولد في أوساط المجتمعات الإسلامية أو إلى ما عداها من مجتمعات مجاورة ، عائد إلى التكوين النفسي والجيني لدى الإنسان الشرقي ، دون الإنسان الغربي ، أو إلى التنشئة الدينية للإسلام بعينه ، فكل الديانات السماوية والأرضية ، فيها من الرحمة ما يشي بالسلام الكامل ، وأيضاً فيها من الدعوة الصريحة إلى العنف والتي تنضح فيها نصوص كتبها المقدسة ، ما ينذر بأبدية الصراع ، ولسنا في وارد استعراضها في هذا الصدد .
وقد يجري السؤال، رداً على ما جرى ذكره، إذن لماذا انتفى العنف كلياً من المسيحية في أوروبا، وظل يفعل فعله في الإسلام ؟ ليس لأن أوروبا عطلت سلطة الكنيسة ، وأبقت أبوابها مفتوحة لمن شاء الدخول أو الخروج منها دون حسيب أو رقيب ، في حين بقيت المساجد الإسلامية ( المسجد الأحمر في باكستان ) بؤرة لكل نماذج العنف ، بل لأنها أنهت أحلام رجال الدين في التربع على السلطة من خلال الكنيسة ، وقد يفهمها البعض هنا ، بداية ثورة فصل الدين عن الدولة ، من خلال الركون إلى العلمانية السياسية والقانونية والاجتماعية ، كما في فرنسا وألمانيا وبريطانيا ، فهذه الدول الثلاث ، وأن كانت قد مارست العنف تجاه بعضها ، كما فعلت ألمانيا النازية ضد فرنسا ، أو تجاه العالم الآخر ، مثلما فعلت بريطانيا في الهند ، وفرنسا في إفريقيا ، فإنها لم تمارسه في الإطار العام باسم الدين أو المذهب ، حتى لو أدعى البعض ذلك ، بقدر ما مارسته بفعل تحقيق مصالحها السياسية والقومية ، بعكس حال المجتمعات الإسلامية التي لم تستطع أن تحيد الدين في كل صراعاتها الداخلية ، كما في أفغانستان ، أو الخارجية كما حصل أبان الحرب العراقية – الإيرانية ، التي دامت لثماني أعوام ، وحصدت من الأرواح ما يزيد عن المليون إنسان ، ومهما حاول البعض توصيف هذه الحرب وربطها بأسباب عرقية ، وإضفاء الطابع القوي عليها ، كصراع عربي - فارسي ، إلا أن أسبابها المذهبية، التي حملتها الثورة الخمينية في بداية عهدها في طهران عام 1979 ، هي التي بعثت ومازالت تبعث على العنف ، يوازيها في المقابل إيديولوجية الولاء والبراء كعقيدة سياسية أكثر منها دينية ، والمعمول بها من قبل الجماعات السلفية ، بحيث أن كل هذا الصراع الإسلامي – الإسلامي يرسخ في الذهن ، لطالما كان العنف نابعاً من الإسلام نصاً من خلال الاستناد على بعض الآيات القرآنية ، وروحاً من خلال الاستعداد الدائم للموت في سبيل النجاة والخلاص من مباهج الحياة الدنيا .
أما الزاوية الثانية التي تعني الردع بما يخالف معنى العنف ، والردع في حقيقة أمره يعني الاستعداد ، على قاعدة أن الاستعداد للحرب يمنع الحرب ، فكل مسلم ، فرداً كان أو جماعة ، يعتبر نفسه مطالباً بالاستعداد والتهيؤ في أوقات الحرب ، عملاً بسورة الأنفال " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم " وسواء عنت العنف لدى البعض ، أو الردع لدى البعض الآخر ، فإن تياراً واسعاً من المسلمين من ذوي الاتجاهات المحافظة ، يرفضون رفضاً قاطعاً وصمهم بالعنف والإرهاب ، وسواء اعترفوا بفقه ذوي الاتجاهات الراديكالية ، أم لم يعترفوا في تمثيلهم للإسلام ، فإنهم بين حجري رحى العنف الذي يمارس باسمهم ، والردع الذي لا يستطيعون من خلاله وقف طاحونة العنف ، ولأنهم لا يستطيعون فإنهم متهمون في توفير المناخ الملائم في توفيره .
كما أن الإيمان بمبدأ الفرقة الناجية من عذاب الآخرة ، وسع شقة الخلاف بين المسلمين أنفسهم ، بحيث صار كل مسلم ينظر في مرآة أحواله ، بأنه هو الناجي ، وأنه بريء مما قد ينسب إليه من أفعال يرتكبها أبناء ملته ، فلا أحد يحاسب بالنيابة عن أفعال غيره .
مبدأ الإيمان بالفرقة الناجية ، جعل قضايا التكفير والتطرف وما تنطوي عليه من أفعال عنفية ، ككرة النار الملتهبة ، يتقاذفها المسلمون فيما بينهم ، هرباً من تحمل مسؤولية ما آلت إليه أمور مجتمعاتهم من الغرق في مستنقعات دامية ، وخوفاً من أن تحرق بلهيبها المستعر ، من لم يكتوِ بعد بنارها .
Thaaer-1@hotmail.com
لا تبدو المقاربة بين الإسلام والإرهاب صائبة من كل الزوايا ، فليس كل فعل إرهابي ، مهما اشتدت حركته واتسعت دائرة تأثيره ، يعني العنف ، حينها يمكننا اختصار المسافة الفاصلة بينهما ، والقول إن العنف هو ديدن الإسلام ، ويتضح العنف من خلال نتائجه التدميرية على المادة قبل الروح .
ففي إحدى زوايا الربط بين الإسلام والإرهاب، أنه يعني الردع ، أي رد الفعل إلى أساسه الذي يحاول الارتداد منه ، وبالتالي منعه من التحقق ، فيما يشبه الترهيب النفسي الذي يحول دون تحقيق أهدافه .
فالارتكاز على معنى واحد ، قد لا يعفي الباحث من تهمة التحيز إلى تبني رؤية دون الأخذ أو الإشارة إلى الرؤية الأخرى ، لهذا فإن الاشتغال على أحد المعنيين السالفين ، لا بد أن يؤدي إلى المعنى الآخر ، وإلا فأن التحيز هو التهمة الجاهزة دائماً في كل زمان ومكان .
ولطالما أشرنا إلى عدم صوابية الربط بين الإسلام والإرهاب ، فهذا لا يعطي مسبقاً شهادة البراءة ، لكلٍ من المفهومين السابقين ، وعلاقة بعضهما ببعض ، ولعل صور المعارك الدامية في الصومال بين الأحزاب والجماعات الإسلامية ، وكذلك التفجيرات المدمرة في جمهورية باكستان الإسلامية ، تقدم البرهان القاطع من تلقاء نفسها ، ودون أدنى مواربة أو محاولة لتجميل الصورة أو الالتفاف على حقيقتها ، وذلك بأن العنف هو الذي يتحكم بإدارة دفة الصراع بين الإسلاميين أنفسهم ، وأن القول الفصل لمن يمارس العنف بصورة أشد دموية على خصمه ، باعتبار أن الدم يستسقي الدم ، وبالتالي فإن العنف يستسقي العنف في كل جولة من جولات
الصراع .
غير أن هذا العنف ، سواء كان في الصومال أو باكستان ، يؤكد لنا أنه في اتجاه واحد ، أي أنه صراع إسلامي – إسلامي ، قبل أن يكون صراعاً إسلامياً – غربياً ، ولو أنه يدعي " الجهاد " بداية ، ثم لا يلبث أن يطلق النار على نفسه ، فهل أن الأمر في أساسه يتعلق بالصراع على السلطة ، كما حدث في الجزائر في مطلع تسعينيات القرن الماضي وفي أفغانستان إثر تدخل الولايات المتحدة على خلفية هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، وأن كان جله تحت شعارات الإسلام ، أم أنه لا يعدو كونه سلوكاً مغروساً في كينونته المفطورة على العنف ، سواء قبل الإسلام أو بعده .
في الواقع أن الإجابة على السؤال السابق ، قد تبدو معقدة ومتشعبة في آن معاً ، لأنه إذا كان أساس هذا العنف ، مجرد الصراع على السلطة ، فلا شيء يبرر ربطه بالإسلام ، ففي أصقاع إفريقيا تدور صراعات شتى على السلطة ، ولنا في جنوب إفريقيا أوضح مثال ، وكذلك الحال في أسيا ، إذا ما أخذنا سيرلانكا في الحسبان .
كما لا نستطيع الجزم أن العنف المتولد في أوساط المجتمعات الإسلامية أو إلى ما عداها من مجتمعات مجاورة ، عائد إلى التكوين النفسي والجيني لدى الإنسان الشرقي ، دون الإنسان الغربي ، أو إلى التنشئة الدينية للإسلام بعينه ، فكل الديانات السماوية والأرضية ، فيها من الرحمة ما يشي بالسلام الكامل ، وأيضاً فيها من الدعوة الصريحة إلى العنف والتي تنضح فيها نصوص كتبها المقدسة ، ما ينذر بأبدية الصراع ، ولسنا في وارد استعراضها في هذا الصدد .
وقد يجري السؤال، رداً على ما جرى ذكره، إذن لماذا انتفى العنف كلياً من المسيحية في أوروبا، وظل يفعل فعله في الإسلام ؟ ليس لأن أوروبا عطلت سلطة الكنيسة ، وأبقت أبوابها مفتوحة لمن شاء الدخول أو الخروج منها دون حسيب أو رقيب ، في حين بقيت المساجد الإسلامية ( المسجد الأحمر في باكستان ) بؤرة لكل نماذج العنف ، بل لأنها أنهت أحلام رجال الدين في التربع على السلطة من خلال الكنيسة ، وقد يفهمها البعض هنا ، بداية ثورة فصل الدين عن الدولة ، من خلال الركون إلى العلمانية السياسية والقانونية والاجتماعية ، كما في فرنسا وألمانيا وبريطانيا ، فهذه الدول الثلاث ، وأن كانت قد مارست العنف تجاه بعضها ، كما فعلت ألمانيا النازية ضد فرنسا ، أو تجاه العالم الآخر ، مثلما فعلت بريطانيا في الهند ، وفرنسا في إفريقيا ، فإنها لم تمارسه في الإطار العام باسم الدين أو المذهب ، حتى لو أدعى البعض ذلك ، بقدر ما مارسته بفعل تحقيق مصالحها السياسية والقومية ، بعكس حال المجتمعات الإسلامية التي لم تستطع أن تحيد الدين في كل صراعاتها الداخلية ، كما في أفغانستان ، أو الخارجية كما حصل أبان الحرب العراقية – الإيرانية ، التي دامت لثماني أعوام ، وحصدت من الأرواح ما يزيد عن المليون إنسان ، ومهما حاول البعض توصيف هذه الحرب وربطها بأسباب عرقية ، وإضفاء الطابع القوي عليها ، كصراع عربي - فارسي ، إلا أن أسبابها المذهبية، التي حملتها الثورة الخمينية في بداية عهدها في طهران عام 1979 ، هي التي بعثت ومازالت تبعث على العنف ، يوازيها في المقابل إيديولوجية الولاء والبراء كعقيدة سياسية أكثر منها دينية ، والمعمول بها من قبل الجماعات السلفية ، بحيث أن كل هذا الصراع الإسلامي – الإسلامي يرسخ في الذهن ، لطالما كان العنف نابعاً من الإسلام نصاً من خلال الاستناد على بعض الآيات القرآنية ، وروحاً من خلال الاستعداد الدائم للموت في سبيل النجاة والخلاص من مباهج الحياة الدنيا .
أما الزاوية الثانية التي تعني الردع بما يخالف معنى العنف ، والردع في حقيقة أمره يعني الاستعداد ، على قاعدة أن الاستعداد للحرب يمنع الحرب ، فكل مسلم ، فرداً كان أو جماعة ، يعتبر نفسه مطالباً بالاستعداد والتهيؤ في أوقات الحرب ، عملاً بسورة الأنفال " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم " وسواء عنت العنف لدى البعض ، أو الردع لدى البعض الآخر ، فإن تياراً واسعاً من المسلمين من ذوي الاتجاهات المحافظة ، يرفضون رفضاً قاطعاً وصمهم بالعنف والإرهاب ، وسواء اعترفوا بفقه ذوي الاتجاهات الراديكالية ، أم لم يعترفوا في تمثيلهم للإسلام ، فإنهم بين حجري رحى العنف الذي يمارس باسمهم ، والردع الذي لا يستطيعون من خلاله وقف طاحونة العنف ، ولأنهم لا يستطيعون فإنهم متهمون في توفير المناخ الملائم في توفيره .
كما أن الإيمان بمبدأ الفرقة الناجية من عذاب الآخرة ، وسع شقة الخلاف بين المسلمين أنفسهم ، بحيث صار كل مسلم ينظر في مرآة أحواله ، بأنه هو الناجي ، وأنه بريء مما قد ينسب إليه من أفعال يرتكبها أبناء ملته ، فلا أحد يحاسب بالنيابة عن أفعال غيره .
مبدأ الإيمان بالفرقة الناجية ، جعل قضايا التكفير والتطرف وما تنطوي عليه من أفعال عنفية ، ككرة النار الملتهبة ، يتقاذفها المسلمون فيما بينهم ، هرباً من تحمل مسؤولية ما آلت إليه أمور مجتمعاتهم من الغرق في مستنقعات دامية ، وخوفاً من أن تحرق بلهيبها المستعر ، من لم يكتوِ بعد بنارها .
Thaaer-1@hotmail.com