السبت، 12 سبتمبر 2009
الإسلام كقنبلة بشرية
ثائر الناشف
علينا أن نسأل أنفسنا ، مَن الذي دفع مثقفو الغرب وفنانوه إلى رسم الإسلام الموروث ديناً وثقافةً عن الآباء والأجداد على هيئة قنبلة بشرية موقوتة ينذر خطرها بنسف كل مَن هو حولها كأناً من كان ؟ فهل اندفاع هؤلاء المثقفين والسياسيين الغربيين في تشريح الإسلام ، ولا نقول نقده ، انطلاقاً من ثقافتهم التي تبني على الشيء ومقتضاه ، أم أنها ردة فعلهم المباشرة التي خرجت عن سياقاتها الطبيعية في تناول الإسلام ، ليس بصفته كدين ، بل كحالة إيديولوجية تبعث على "العنف" وتحض عليه انتقاماً لاختلال موازين الحضارة وانحراف بوصلتها باتجاه عواصم الغرب .
بهذا الاتجاه المُؤسَس على موازين الحضارة ، تبدو حضارة الغرب ، ولطالما كانت لها الغلبة ورجحان الكفة ، باعثةً على الحياة وصانعةً لها ، بما يقابلها في الكفة الأخرى ، حضارة الإسلام ، لما هي في حالة تقهقر وانزواء دائمين ، إلا ما خلا من تراثها المتمثل باللغة وآدابها ونصوصها ، تبدو وكأنها صانعة للفوضى على هيئة قنبلة بشرية ، تحملها رؤوس المتشربين بإيديولوجية الإسلام كدار حرب وولاء وبراء ، وليسوا كمسلمين مؤمنين بعقائده وأركانه .
ووفقاً لذلك التشريح العملاني ، غدا الإسلام من الناحية النظرية في منحنيين ، منحى إيديولوجية الإسلام ، ومنحنى عقائدية الإسلام ، ونظراً لغياب التواصل الفكري والثقافي بين عموم المجتمعات الغربية والشرقية ، فإن نظرة تلك المجتمعات الغربية للإسلام ، متشابكة من حيث خلطها بين المنحيين السالف ذكرهما ، لينتهي بها الحال إلى تصوير الإسلام كقنبلة بشرية موقوتة ، خطرها يتعاظم يوماً بعد يوم ، ولا سبيل لنزع فتيلها إلا بحربها الكونية على ما تسميه "الإرهاب" .
وهذا يقودنا إلى سؤال الأخلاق ، وفيما إذا كانت الأخلاق الإنسانية تبرر هكذا تقسيم اعتباطي للإسلام ، فضلاً عما إذا كانت تبرر أيضاً ذلك السلوك الانتحاري ، الذي يبدو أكثر اعتباطاً ، ربما لأنه يعطي المقدمات الأساسية لمثل ذلك التقسيم ، الذي يدفع الجميع ثمنه بلا استثناء .
وسواء بررت الأخلاق ذلك التقسيم أم لا ، فإننا لا نستطيع أن نجرم بشكل قاطع ، موقف الأخلاق النهائي ، لذا يغدو من المستحسن ، على الأقل في هذه المرحلة ، تحييد الأخلاق بالحد الأدنى ، التي على يبدو لم تستطع حتى الآن أن تفعل فعلها الضابط للسلوك البشري في غابة صراعه الأسطوري ، على الرغم مما ينضح به الإسلام من أخلاق في الدين والدنيا وفي المعاملات والعبادات ، وما تعج به جامعات الغرب من العلوم الإنسانية في مجال الأخلاق وأصولها ونظرياتها الأولى .
ولاستحالة الركون على أرضية محددة ، وضيق الهامش في الإشارة إلى قلب المشكلة ولبها ، نعود مرة أخرى إلى السياسة ، وقد يقول قائل ، لا مناص من السياسة كواقعٍ حتمي لكل صراعٍ بشري ، ولا بد من العودة إليها في كل الأحوال لفهم طبيعة الصراع الأبدي والوقوف عند أسبابه ومسبباته .
وإن كانت القضية في جوهرها مرتبطة بالسياسة ، فمن المنطق وليس بشيءٍ من التبرير ، اعتبار كل ما تقوم به الجماعات الإسلامية الحالمة ببسط إيديولوجيتها من خلال ما تقوم به من أعمال مسلحة على الإسلام الآخر - "إسلام المجتمعات"- ينضوي في إطار الصراع على صوابية فكرها المتشرب بإيديولوجية مغالية في إيمانيتها الماضوية ، لدرجة نسفها للأخر وتعطيل سعيه الحثيث نحو الحياة .
ومن غير المنطقي أن يتساوى " إسلام الجبال" مع " إسلام المجتمعات" ، أو أن يحمل أحدهما وزر أعمال الآخر ، فتواصل الحوار مع الآخر ، من شأنه أن يزيل الغموض والإبهام المتكون عن صورة الإسلام كدين وبنفس الوقت يعرفه كثقافة حياة ، بدلاً من تعريفه النمطي كقنبلة بشرية تنتظر ساعة الصفر، كما يحول دون ذلك التقسيم الاعتباطي ، وأما انعدامه ، سيعني مزيداً من التقسيم والتشريح الذي ينتهي به المطاف إلى صورة قنبلة بشرية .
Thaaer-1@hotmail.com
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليس كل من امتلك منبرا أو مرسما في الغرب يحق لنا اعتباره مثقفا خصوصا عندما تسول لهذا الشخص نفسه أن ينتج كلاما أو رسما يتطاول فيهما على المسلمين، ليس باعتبارهم بشرا قد يخطئون ويجرمون بل لمجرد كونهم مسلمين ويا حبذا لو كانوا عربا مسلمين.
ردحذفوالذي نأسف له أن منابر عالمية تفتح أبوابها مشرعة أمام تطاول هؤلاء على الإسلام والمسلمين، وهي ترحب بكل ما هو جديد في هذا السياق بغض النظر عن المصداقية والموضوعية، وبشكل أكبر تتيح هذه المنابر الفرصة كاملة لو كان هؤلاء المتطاولين من المسلمين أنفسهم.
ومبررات هذه المنابر تتعدد وتتنوع بتعدد وتنوع طبيعة هذه المنابر وتوجهاتها ابتداءا من إعلام الإثارة وانتهاءا بإعلام جهات ولوبيهات ذات توجهات دينية أو عنصرية.
إنه الصراع الذي يبدو أزليا بين الشرق والغرب أو بين الإسلام والمسيحية واليهودية أو بين الإيمان والإلحاد وغيرها من الصراعات المتقدة والمستعرة تحت جبال الجليد والسكون الوهمية أو الموهومة.
ولا يجوز للمتابع لخضم كل هذه الصراعات أن ينساق وراء الدعاوى بالتحليل والرصد والسبر والتقويم خارج سياق أصولها التاريخية ودوافعها النفسية والشوفينية، كما لا يجوز تأييد بعض جوانبها الموضوعية وإغفال الجوانب الأخرى والأكثر أهمية والتي تتعلق بمغازي الهجوم على المسلمين ومغازي الهجوم المضاد.
وإذا كان غالبية مثقفينا يوافقون الدعاوى الغربية بخطورة إسلاموية بعض التنظيمات الراديكالية كونها تهدد وجودهم كما تهدد مصالح الغرب، وتنتقد طروحاتهم وتكفرها كما تنتقد الفكر الغربي بمعظم توجهاته وتكفره، فيجب على مثقفينا أيضا الانتباه إلى أن تخندقهم في جانب مناكفي الحركات الإسلامية الراديكالية يجردهم من مصداقية انتماءاتهم الجغرافية والثقافية والتاريخية ويجعل منهم أبواق تصدح بالمجان في سياق آلة الإعلام الغربي الغير نزيهة والغير موضوعية بالمطلق.
والأمر الذي يؤسف له أن هؤلاء المثقفين ورغم كونهم أدرى بشؤون ما يجري بين ظهرانيهم إلا أنهم لا يكلفون أنفسهم عناء الاقتراب أكثر (أكثر موضوعية) من طبيعة نظر وتنظير الحركات الإسلامية ويكتفون بتنظيرات مستوردة وجاهزة نالت حظا وافرا من الأضواء الإعلامية العالمية ليكونوا حلقة في سلسلتها مجندين أنفسهم بالمجان أو بمقابل كمسامير في نعوش هذه الحركات كما يأملون ويأمل أهل الضفة الأخرى التي عزلت نفسها عنا وصنفتنا كأعداء لمجرد أننا رفضنا ونرفض كل مخططاتها الصليبية والإستعمارية والاستغلالية.
وإذا كان مثقفونا غير راضين عن إسلام الجبال أو القفار باعتباره مناهضا لمكتسبات الحياة المدنية والتقدم البشري الحضاري والثقافي فلا أقل من أن يجهدوا أنفسهم ولو لبرهة في قراءة واستشفاف أصوله ومسبباته وخلفياته التاريخية والنفسية، ولو وسعوا أفق نظرتهم قليلا لعرفوا أن في الغرب أشباه لما في الشرق، فمن يستطيع إنكار وجود طوائف تدعوا إلى نبذ استغلال الغير الموجود خلف البحار في قفار الجزيرة العربية وسهول الرافدين والهلال الخصيب وأفريقيا، وطوائف تدعو إلى إيقاف استنزاف موارد الأرض وإيقاف احتباسها الحراري، وإزالة الترسانات الكيميائية والبيولوجية والنووية، ومظاهر الانحلال الأخلاقي من شذوذ ومجاهرة بالفواحش وإدمان للمخدرات وغيرها من أساليب استغلال الإنسان لغيره وللطبيعة وسائر المخلوقات استغلالا فاحشا ومدمرا.
إن الحركات الإسلامية الراديكالية (الأشد راديكالية) عبر التاريخ كانت ومازالت تمتلك مبررات وجودية موضوعية، وكونها اختارت الإرهاب (على أقصى تقدير) مسلكا ومنهجا، فاختيارها هذا لا يمكن وصفه بغير الموضوعية طالما تواجه آلة قمع عنيفة لا تعرف غير منطق القوة والإقصاء والمحو، وقد خبر مثقفونا على مدى عقود وربما قرون أن الحركات الإسلامية الراديكالية نشأت كردات فعل سواء تجاه أوضاع سياسية واجتماعية واقتصادية مجحفة في حق شريحة عريضة نسبيا في المجتمع الإسلامي عجزت آليات الحقوق والمظالم عن إنصافها، أو تجاه واقع استعماري لا يخلوا من مسحة دينية مغايرة، وقد عجزت آليات المجتمع الإسلامي التقليدية من حقوقية وقانونية وسياسية عن إزاحة أعباء هذا الواقع السرطاني فكان لابد من سلوك ميكانيزمات دفاعية وصلت حد العنف والدموية.
وغير كل ما سبق علينا أن لا ننساق وراء آلة الإعلام الغربية والمحلية التي تضخم من تيار الإسلام الراديكالي وتجعل منه ماردا مهابا جديرا بتجييش الجيوش الجرارة وتسخير أجهزة أمنية فائقة الإمكانيات مستبيحة كل ألوان القمع والقتل حتى وإن طالت آلاف بل ملايين الأبرياء الغير معنيين بالصراع من أصله فضلا عن نتائجه وتبعاته.