لم تكن المعلومات التي كشفت عنها التحقيقات المصرية بشأن شبكة حزب الله الأمنية المؤلفة من تسعة وأربعين عضواً والمنتمين إلى جنسيات مختلفة ، إلا حلقة صغيرة من حلقات أكبر أكدتها التقارير الدولية التي ظلت لفترة طويلة تتابع أجواء الحرب الباردة بين طهران والقاهرة ، إن على خلفية الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة أو على خلفية عرض فيلم إعدام الفرعون ، الذي شكل عرضه المتكرر استفزازاً مزعجاً لأحد رموز مصر، الرئيس الراحل أنور السادات . كما رصدت تلك التقارير ، سلسلة التحركات السياسية والأمنية لحزب الله ، خصوصا بعد احتدام الخلاف بين القيادة المصرية وشخص حسن نصر الله في أعقاب حرب إسرائيل على جنوب لبنان صيف العام 2006 ، والتي دعته إلى تحمل مسؤولية مغامراته في لبنان . ولم يكن حزب الله في يوم من الأيام مجرد صديق لإيران أو سورية ، مثلما صرح زعيمه نصر الله في معرض رده على اتهامات النيابة العامة المصرية الموجهة أساساً إلى أفراد الشبكة المعتقلين ، إنما هو ذراع إيران الضاربة ( عسكرياً وأمنياً وسياسياً وحتى إعلامياً وثقافياً ) وبالتالي يستحيل أن يدعي الحزب أنه لبناني المنشأ والهوية ، ولو اتخذ من الأرض اللبنانية منطلقاً لمجمل عملياته العسكرية ، فمذكرات السفيرة الاميركية السابقة في بغداد ودمشق ابريل غلاسبي ، اعترفت أن الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد خدعنا بالوقت الذي كانت فيه قواته تعمل على تصفية الوجود الفلسطيني في لبنان في مطلع الثمانينات ، كانت أيضاً تساهم بالتعاون مع إيران في تكوين حزب الله وتسهل عليها عبر الممرات البرية والجوية بإمداد الحزب في كل ما من شأنه أن يجعل منه رأس جسر تستطيع إيران من خلاله الإطلال على ساحل المتوسط واستخدام أراضيه (لبنان) وما يجاوره في عملية تصفية الحسابات الإقليمية واستخدامه ساحة من ساحات الصراع المفتوح . لكن نصر الله ، الذي أقر بانتماء اللبناني سامي شهاب إلى عضوية حزبه ، فإنه بالمقابل لن يقر بتبعية حزبه لإيران ، إذ كيف يمكن لحزب يقول بأنه لبناني الهوى والهوية ، أن ينقلب على الدولة اللبنانية في السابع من مايو عام 2008 ، ويهدد بالسيطرة على مرافقها الحيوية ، فلماذا لا يقبل بأن يكون سلاحه في عهدة الدولة اللبنانية وقت السلم أو الحرب ، ثم متى كان يحق للأحزاب في العالم أن تختزن السلاح بعيداً عن أعين الدولة أياً كانت الحجج والذرائع ؟. كل هذا الكم من المعطيات كشف جزءاً يسيراً من الاستراتيجية الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط على مستوى صنع الأتباع والأحزاب والحركات في الدول المتهالكة بفعل الصراعات والمشاكل الداخلية كحال لبنان إبان الحرب الأهلية ، والخشية على العراق في ظل أوضاعه الأمنية بالوقت الحاضر .وهذا التغلغل الإيراني ليس له ما يبرره سوى محاولة الهيمنة على أكثر من دولة عربية ، فكيف لإيران " المسلمة" أن تقبل بمد يدها لأرمينيا في حربها الضروس ضد أذربيجان المسلمة ؟ هذا السؤال يقودنا إلى سؤال آخر ، وهو هل من الممكن أن تهرع إيران للوقوف والمساندة لأي دولة عربية بما فيها الحليفة سورية ، فيما لو تعرضت للأذى والخطر؟ الجواب يكمن لدى العراقيين الذين تعرضت بلادهم لحرب باركتها إيران سراً . إذن ، إيران اليوم في غمرة حربها الصامتة ضد ما تعتبره محور الاستسلام والخنوع ، ورأس الحربة حزب الله ، الذي انتفت الحاجة لدوره في جنوب لبنان من بعد العام 2000 واستكمل لاحقاً بعيد حرب يوليو 2006 بموجب قرار مجلس الأمن 1701 الداعي لنشر القوات الدولية على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية ، فبعدما شعرت إيران بثقل حركة حزب الله في الساحة الداخلية اللبنانية ، كان لابد من بديل عنه ، وهذا البديل ظهرت حاجته للمال الإيراني كما ظهرت حاجة حزب الله ، والمهم لإيران أنه بديل من بلاد الطوق ، وبالتالي وجدت طهران في حركة حماس الاخوانية البديل الأقرب إليها إستراتيجياً ولو ابتعدت عنها أيديولوجياً ، واتضحت الصورة أكثر ، حينما انقلبت حماس على الشرعية التي وصلت من خلالها إلى سدة الحكم ، وعلى إثرها بدأت الأحداث في لبنان وغزة تتفاعل بوقت متزامن وعلى إيقاع واحد ، وهي إحداث لم تتضح معالمها النهائية بعد ، وأن اتضحت بداياتها الأولى .فسيل الحقائق عن استراتيجية إيران ، لن تكذبها طقوس التقية السياسية التي يفلح ساسة طهران وأتباعهم في لبنان وغزة في انتهاجها ، فإذا كان نصر الله ليس طرفاً في أي معادلة سياسية داخلية لأي بلد عربي - كما يقول- فلماذا اتهم مصر وحدها من دون سواها بالمشاركة في حصار غزة ، ولماذا حرض الشارع المصري على الخروج ضد حكومته ؟ أما الأمر الآخر، إن كان حريصاً على دعم المقاومة في العراق وفلسطين وفي مساندة الفلسطينيين عبر الحدود المصرية مع غزة ، فلماذا لم يبادر حتى الآن إلى دعم مقاومة السوريين في الجولان السليب منذ أكثر من أربعين عاماً ، وهو الأقرب إليه جغرافياً من غزة ؟ . أليست استراتيجية إيران الإقليمية أوسع مدى وأكثر انتشاراً من أي استراتيجية أخرى في العالم ؟.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق