الأحد، 3 أكتوبر 2010

طل الملوحي وأكاذيب النظام السوري



ثائر الناشف
مع انطلاق حملة التضامن العالمية مع الشاعرة والمدونة السورية المختفية في سجون النظام السوري منذ ما يقارب العام ، طالعتنا بعض المواقع الاستخبارية التي تعمل كأبواق مأجورة لتلميع صورة النظام على الساحة الإلكترونية ، وتجميل وجهه الملطخ بآهات المعتقلين ودماء الضحايا ، بشائعات وأنباء أمنية تفتقر إلى الأساس الصحيح لأي خبر صحفي ، فضلاً عن أنها تضع النظام في أزمة أخلاقية مفتوحة مع الشعب السوري ومع دول بعينها كالولايات المتحدة الأميركية .
ففي الخبر الأمني الذي صاغته إحدى الأجهزة الأمنية السورية ، شائعة تتهم الملوحي التي كانت مقيمة بمصر في السنتين الأخيرتين بالتجسس على سفارة النظام السوري بالقاهرة ، وذلك لصالح السفارة الأميركية مقابل مبالغ مالية طائلة .
ومن باب معرفتي الشخصية لطل (18 ) سنة ، أنها لو كانت جاسوسة لصالح أميركا وتقبض بالدولار ، لما عاشت في أحياء فقيرة في ضواحي القاهرة ( حدائق حلوان ) ثم هل يعقل أن الولايات المتحدة بعظمة قوتها ، أن تعتمد على فتاة يافعة ، وتشرع في تجنيدها بداعي العمل لصالحها ؟ والسؤال ، أين ذهبت أجهزة الاستخبارات الأميركية ، هل عجزت عن أداء مهامها لكي تعتمد على فتاة في عمر الطفولة ؟.
ثمة خلط غريب في خبر " موقع دي برس" الأمني ، لأنه على ما يبدو أن الحملة التضامنية العالمية أثخنت النظام السوري وجعلته يتخبط خبط عشواء .
الموقع الاستخباري أصر على تهمة التجسس لطل الملوحي ، وفوق ذلك قام بإجراء ربط مفضوح في خبره الأمني ، بين اتهامها بالتجسس من ناحية ، وتعرض ضابط أمن - مخابرات سوري ( المقدم سامر ربوع ) للاعتداء من ناحية أخرى .
ولتوضيح بعض الجوانب الغامضة لما نشر من تلفيق وأخبار أمنية مفبركة ، لا بد من إيراد الحقائق التالية ، التي لا يرقى إليها الشك .
أولاً : لم تكن طل الملوحي خلال فترة مكوثها في مصر تتجسس لصالح دولة أجنبية معادية ، بل كانت تتعلم اللغة الإسبانية في معهد سرفانتس، وهو معروف للجميع وله فروع في جميع أنحاء العالم .
ثانياً : لم تقم الملوحي بالتجسس على سفارة النظام السوري في القاهرة لصالح أي جهة أجنبية ، بل أن المسئول الأمني في السفارة (سامر ربوع) هو مَن قام بالتجسس عليها ، عندما دس لها صديقته الصحافية المصرية ( نجوى يونس ) مراسلة التلفزيون السوري في مصر سابقاً، لتتبع الأخيرة نشاط الملوحي عن كثب واتصالاتها مع السوريين في الداخل والخارج ، ومن ثم إعلام السفارة السورية التي تقوم بوظيفة إبلاغ الأجهزة الأمنية في دمشق ، بنشاطات المغتربين السوريين في دول المهجر .
ثالثاً : إذا كان المقصود بالدول الأجنبية المعادية (أميركا ) فطل لم تطأ قدمها حرم السفارة الأميركية لا في دمشق ولا في القاهرة ، والأمر المستغرب كيف تتهمها أبواق النظام السوري بالعمالة لأميركا ، بالوقت الذي ينبطح النظام السوري أمام أبواب الإدارة الأميركية ، لترفع العقوبات عنه ، وترسل إليه سفيرها .
فإذا كان مقالها ( الملوحي) الذي كتبته للرئيس باراك أوباما ، ونشرته على مدونتها ، عشية زيارة أوباما للقاهرة في شهر يونيو 2009 وإلقاءه خطاباً للعالم الإسلامي ، لا يعني البتة أنها على علاقة مع الأميركيان، وإلا فإن أي كاتب أو صحافي قد يتهم بعلاقة ما مع أي دولة يكتب عنها سلباً أو إيجاباً .
رابعاً : إن محاولة موقع "دي برس" الربط بين تجسس طل لدولة أجنبية ( أميركا ) وبين الاعتداء على ضابط أمن دولة - مخابرات ( سامر ربوع ) هي محاولة مفضوحة لا تنطلي على عقول الصغار ، لأن الوقائع تفند أخبارهم الملفقة .
والوقائع تقول : إن المقدم في فرع أمن الدولة الخارجي ( سامر ربوع ) هو ذات الشخص الذي حقق معها في السفارة السورية بالقاهرة وحاول ابتزازها وترهيبها ، لكنه فشل لأنها واجهته بقوة إرادتها وشخصيتها ، حيث كان ( ربوع) يقيم في مصر بصفة غير ديبلوماسية ، وهذه مخالفة قانونية تسجل ضد النظام السوري الذي انتدبه لهذه المهمة التجسسية، وكان (ربوع) قد تعرض للضرب المبرح من قبل حراس سيدة أميركية في القاهرة ، وذلك بسبب مضايقاته وتحرشاته الجنسية الوضيعة ، وقد عاد على إثرها إلى سورية بناء على طلب فرع أمن الدولة الخارجي ، بعدما تزعزع كيانه وتلطخت سمعته بين المصريين والسوريين ، والشيء المجزوم بصحته أن ( ربوع ) معروف لدى كل السوريين في مصر، ولكونه أعزب، بعلاقاته غير الشرعية مع الجنس الآخر ، وقد نال جزاءه العادل من أحد الحراس الأميركيين عندما حاول التحرش بهم .
والملاحظ ، أن طل الملوحي طوال فترة إخفاءها القسري، كانت ضحية تلفيق الأجهزة الأمنية ، التي لم تتحرك لإهانة أحد ضباطها في الخارج ، إلا في هذا الوقت ، أي بعد مرور 10 أشهر ، فالمأزق الذي وضع فيه النظام السوري نفسه ، بعد أن تصاعدت مطالب الحملة العالمية ، والتي وصلت حتى باكستان مروراً بأوروبا وأميركا ، وعواصم عربية كالقاهرة وصنعاء وغزة ، دفع بأبواقه الأمنية ، لتتصدى يائسة ، في محاولة منها لإنقاذ ما تبقى من ماء وجهها أمام الرأي العام العالمي .
وما يؤكد ، تلفيق الأجهزة الأمنية ، أنه وبعد عودة الملوحي إلى سوريا في يوليو 2009 ، ظلت الفتاة تستدعى بين فترة وأخرى من قبل جهاز أمن الدولة الخارجي في دمشق حتى تاريخ اعتقالها واختفاءها يوم 27 ديسمبر ، وكما ذكرنا ، هو نفس الفرع الذي يعمل لصالحه (ربوع) الذي حاول ابتزاز ها في مصر ، والسؤال لماذا فرع أمن الدولة الخارجي تحديداً ؟ هذا ما يؤكد ويجزم أن ( ربوع ) هو المسئول عن مضايقتها في مصر لمآرب شخصية ، مثلما فعل مع الكثير من السوريين ومنهم كاتب هذه السطور ، بغرض إرضاء أسياده في دمشق ، وبالتالي هو مَن أوعز لأسياده الكبار من خلال تقريره الأمني الذي بعثه من السفارة ، بضرورة متابعتها وملاحقتها حين عودتها لسورية دون ذنب أو تهمة .
لقد بات من الواضح ، أن النظام السوري ، ومن خلال مواقعه الأمنية ، يحاول اختلاق قصص وربط أمور متناقضة ببعضها البعض على طريقة حلفائه الإيرانيين ، عسى أن يخفف من وطأة الحملة المستعرة عالمياً .
كاتب وإعلامي سوري

الجمعة، 18 يونيو 2010

أحقا اهتزت صورة إسرائيل ؟


ثائر الناشف
منذ اعتراض القوات الإسرائيلية لأسطول قافلة الحرية في عرض البحر المتوسط ، والأنباء تتوالى تباعاً حول اهتزاز صورتها العامة ، سواء في الداخل الإسرائيلي على مستوى الأحزاب اليسارية ، أو في الخارج أمام الرأي العام الدولي وأمام الطوائف اليهودية في شتى أصقاع المعمورة .
فهل حقاً اهتزت صورة إسرائيل إزاء ما حدث في عرض المياه الدولية على خلفية محاولة الناشطين العرب والمتضامنين الأجانب كسر الحصار المفروض على قطاع غزة ، منذ اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط قبل أربعة أعوام ؟.
قد تكون الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو ، أحرجت نفسها والمجتمع الإسرائيلي أمام الرأي العام العالمي ، إزاء تصرف جنودها الفج مع المتضامنين ، لكنها وبكل الأحوال ، لم تشعر قط أن صورتها الداخلية ولا الخارجية اهتزت في أنظار العالم ، خصوصاً وأنها تعتبر نفسها في حالة حرب مفتوحة مع خصومها داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها .
والدليل الأبرز على ذلك ، شروعها في اغتيال القيادي في حركة حماس محمود المبحوح أثناء إقامته في دبي ، وقد بررت ذلك أمام الدول الغربية التي زورت جوازات سفر مواطنيها لتسهيل تنفيذ عملية الاغتيال وطمس آثارها ، بأن حربها المباشرة مع خصومها التقليدين تقتضي استباحة كل المحظورات ، كما فعلت ذلك أيضاً في عين الصاحب ، حينما أغار طيرانها الحربي على مركز عسكري للفصائل الفلسطينية يقع في شمال العاصمة السورية دمشق قبل سبعة أعوام .
إذن ، الصورة العامة لإسرائيل ، لا تهزها عملية عسكرية خاطئة ينفذها أحد جنودها ، كما لا تهزها العمليات العسكرية المضادة التي يشنها خصومها وتستهدف معسكراتها أو جنودها وقادتها ، إنما ما يهز صورتها ، إدانتها المباشرة في مجلس الأمن الدولي وبإجماع تام من أعضائه الدائمين على خلفية انتهاكها لقراراته المتعلقة بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة لعام 1967 أو ما يتعلق بتسوية قضية اللاجئين الفلسطينيين ، وغير ذلك يبقى مجرد تفاصيل عابرة وأوهام تمني النفس في تحقيقها ، لكن من دون أن يكون لها وجود على أرض الواقع .
فمعنى أن تدان إسرائيل في مجلس الأمن الدولي ، يعني أنها فوق القانون الدولي ، ويعني أيضاً أن الولايات المتحدة الأميركية في حالة تخلٍ عنها ، وعندما تتخلى عنها ، يعني أنها تخلت عن مصالحها الحيوية في الشرق الأوسط أو في النصف الثاني من الكرة الأرضية ، وهذا يستحيل تصوره في عقيدة الإستراتيجية الأميركية .
لهذا كله ، فإن الحروب والمواجهات ، باعتبارهما جزء من النفسية الإسرائيلية ، فإنهما لا يؤثران البتة على صورتها العامة ، لكونها في حالة اعتياد دائم عليهما .
أما ما يؤثر على صورتها ، نظرة مجتمعها من الداخل ، نظرة ناقدة قد تصل إلى ما بعد حدود جلد الذات ، ونظرة المجتمع الدولي إليها من زاوية إدانتها لا معاتبتها .
ولأنها ليست عرضة للإدانة ، بحكم موازين القوى التي تميل لصالحها ، فهذا يعني أن صورتها بخير .

الاثنين، 22 مارس 2010

طل الملوحي وهستيريا القمع


طل الملوحي وهستيريا القمع
ثائر الناشف
لا أحد يعرف شيئاً عن أسيرة نظام القمع والمنع والاستبداد والطغيان الطائفي المقيت ، الأسيرة طل الملوحي ، إلا مَن تسنى له قراءة كتاباتها ، فبين سطورها البريئة ، ترتسم ملامح وجهها الملائكي البريء .
الوجه النقي الناصع ، كنصاعة الثلج على هضاب جولاننا المباع ، ذلك الوجه البريء الذي أرعب نظام "الصمود والممانعة" ، ربما أكثر مما أرعبته إسرائيل ، فهرول أزلامه في عتمة الليل وفي وضح النهار إلى اعتقال ذلك الوجه ، وسجنه بعيداً عن منطق الحق والعدالة التي لم يعرفها قط .
نتحدث للمرة الثانية والثالثة والعاشرة، وبالطبع ليست المرة الأخيرة، ولأنها لن تكون الأخيرة قبل أن يُخلى سبيلها، سبيل طل، أسيرة نظام الاستبداد، فقضيتها، ستظل قضيتنا جميعاً التي لن نحيد عنها، قبل أن يرى وجهها البريء شعاع النور ثانية.
فإذا كان القمع ديدن النظام السوري ، فعليه أن ينظر في مرآة نفسه ، ويسألها ألف مرة ، أي فتاة يعتقل ، ولماذا ؟.
هل سمعتم أن نظاماً عربياً ، أو حتى استعمارياً قديماً ، تجرأ واعتقل فتاة في ريعان شبابها ، وبالأمس وحده ، تناهى إلى أسماعنا نبأ استشهاد فتاة يافعة من أكراد الرقة ، أثناء احتفالها وذويها بعيد النوروز ، وعمرها بعدد وريقات الزهر ، الذي لا يزيد عن خمسة عشر وريقة ، وماذا بعد ؟.
ألا تدل أفعال نظام "المقاومة" الباغية و"الممانعة" الواهية، على أفعال ارتجالية مهووسة بشهوة الاعتقال والسجن والتعقب والترصد لشعب تاق ويتوق لحياة حرة كريمة، وهي أفعال لا تليق بالدول التي تحترم نفسها أمام الأمم المتمدنة والمتحضرة.
ألم يسأل النظام نفسه، كم من طل في سورية الآن وفي المستقبل ؟ ألا يخجل من اعتقالها ؟ وقبل ذاك ، ألا يخجل من حرمانها في التقدم إلى امتحانات الشهادة الثانوية العامة ويوعز إلى زبانيته بطردها من قاعات الامتحان ، ليقارن بينه وبين أي نظام شمولي ، طائفي ، متجبر، الأكيد أنه لن يجد نظاماً يوازيه في شهوة الاعتقال والسجن ، فهو نظامٌ مصابٌ بهستيريا القمع ، كأمضى وسيلة لتأبيد السلطة والشعب في قبضته المرتعشة .
باعتقال شيخ الحقوقيين العرب هيثم المالح ، سبق وأشرنا إلى انتهاك عذرية القضاء في سورية ، الآن وباعتقال طل الملوحي ، لم يعد ثمة شرف عسكري لمن اعتقلها أو تآمر في اعتقالها ، فعلى أصحاب الرتب العليا والدنيا ، أن يلقوا بسيوفهم ونسورهم ونجومهم في ثكناتهم ، أو أن يحملوها بغير شرف وهم مطأطئو الرؤوس ، قبل أن تلقى غداً في مزابل التاريخ ، فلا يحمل السيوف ولا يضع النسور ، سوى حماة الوطن الذين لا يهابون إلا العدو الصنديد ، لا حماة النظام الذين يرتعدون هلعاً كلما تفتحت زهرة في وادي استبدادهم ، سرعان ما اعتقلوها .
كاتب سوري
Thaaer-1@hotmail.com

السبت، 6 مارس 2010

دفاع إسرائيل عن الأسد


ثائر الناشف
ليست إسرائيل مجبرة بالدفاع عن سورية، لكنها وبكل تأكيد في أشد الدفاع عن نظام الأسد دون غيره من النظم العربية التي ناصبتها العداء الحقيقي ولرب سائل أن يسأل، ما سر دفاع إسرائيل عن نظام الأسد وحده ؟ الجواب عن هذا السؤال ليس له علاقة باحتلالها الجولان ، والتقاعس السوري عن تحريره ، كما فعل الرئيس المصري الراحل أنور السادات الذي دفع حياته ثمناً لإعادة جزيرة سيناء (حوريب - أرض الخراب) في الحرب والسلم ، فالجولان أرض خصبة ، ليس من السهل التنازل عنها توراتياً ، ومع ذلك لو أراد الأسد استرجاعها لاستطاع حرباً أو سلماً . إن سر الدفاع الإسرائيلي عن نظام الأسد ، يكمن في بنية نظام السوري الذي يتطابق من الناحية النظرية والعملية ، مع ما تريده إسرائيل ، فهي ومن دون شك ، لا تخفي رغبتها في حكم الأقليات المذهبية المحيطة بها ،كما لا يخفى على أي مراقب ، التركيبة الطائفية التي يتركب منها النظام الحاكم في سورية.مهما حاول النظام السوري أن ينفي عن نفسه صفة الطائفية بوجهيها المذهبي والسياسي ، إلا أن إسرائيل وبدفاعها المستميت عنه، تبقى الحصن الأخير لهذا النظام الطائفي، الذي تزامن وجوده مع بداية الانطلاقة الفعلية لإسرائيل كقوة إقليمية صاعدة بعد العام 1967 ، وقد يتساءل البعض مفنداً ، أين يظهر هذا الدفاع وما هو شكله ؟ إن الدفاع الإسرائيلي عن نظام الأسد ، في حقيقته ، دفاع غير مباشر يظهر في العديد من المحافل الدولية التي يجد النظام نفسه فيها مأزوماً ، كالعزلة الأخيرة التي أعقبت خروج النظام السوري من لبنان ، إثر اغتيال رئيس حكومته رفيق الحريري ، عدا عن التطبيع الفاتر ، الذي بدأت معالمه تتكشف من خلال اللقاءات السرية والعلنية في واشنطن وغيرها من العواصم الغربية ، ولربما جاءت هذه اللقاءات الغامضة للتفاهم على بعض الأمور السياسية التي تستعصي على العقل فهمها وإدراكها.فمن جملة هذه الأمور التي يظن الإنسان العادي في منطقة الشرق الأوسط أن النظام السوري يتصدى لها بكل صمود وممانعة ، إلا أن هذا " التصدي المزعوم" له حدوده وخطوطه الحمر ، التي أشار اليها وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان ، حين أبلغ الأسد بأن يلزم حدود " التفاهمات السرية" بين إسرائيل ونظام الأسد ، وهي تفاهمات لا علاقة لها بالسلام أو بالتطبيع .فإسرائيل تعلم يقيناً ، أن الشعارات الرنانة التي أطلقتها الإذاعات العربية في عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي وفي أوج مرحلة المد القومي ، لم تؤثر فيها عسكرياً ، بقدر ما أفادتها سياسياً في عميلة التوظيف الداخلي لشحذ همم المجتمع الإسرائيلي ، كما تعلم إسرائيل أيضاً ، أن نظام الأسد العروبي - الطائفي ، لا يستطيع أن يصمد أو يستمر في الحفاظ على شرعيته الثورية في السلطة من دون الضرب بجلدها ، أي جلد إسرائيل ، وذلك من خلال استنساخ الشعارات نفسها ، التي لا تؤثر فيها بشيء ، وفي الوقت ذاته توحي للرأي العام بخصومة الأسد العميقة ، وأن المعركة بينهما طويلة الأمد ، فعدم استمرار تلك " المعركة الشعاراتية " يعني انتهاء شرعية الأسد ، بمعنى انتهاء صلاحيته في عيون وقلوب الشارع العربي المشحون بمشاعر الصمود والنصر، بل أن إسرائيل، ذهبت إلى أبعد من ذلك في استجابتها المباشرة لاستمرار " صمود الأسد" ، فلكي تقطع الشك باليقين ، فإنها سمحت للنظام في دمشق باستثمار العلاقة بينه وبين "حزب الله" وحركة "حماس" ، ضمن حدود تظهر النظام السوري بصورة النظام المقاوم لإسرائيل ، في ما يشبه صناعة العدو الوهمي ، لأغراض سياسية معينة يحتاجها الطرفان ، وفي الوقت ذاته يظهر النظام السوري نفسه كصمام أمان لأي خطر إسلامي محتمل يهدد مستقبل المنطقة من الأصولية الإسلامية بشقيها السني "القاعدة والشيعي" (حزب الله) ، الذي يعمل تحت أعين دمشق ، وبما تميله الرغبة الإسرائيلية.كما أن كل تجاوز في العلاقة غير المباشرة بين نظام الأسد الأقلوي- الطائفي وبين إسرائيل ، تعمد الأخيرة إلى تصحيحه وتعديله ، من خلال الرسائل الساخنة التي دأبت على إيصالها بشتى الوسائل ، كلما تجاوزت دمشق حدود تلك العلاقة ، وهي رسائل بدأ ظهورها الفعلي يتوالى منذ العام1975 ، الذي شهد الحرب الأهلية في لبنان بفعل وجود الفصائل الفلسطينية التي تولى الأسد تصفيتها ، استجابة للرغبة الإسرائيلية من جهة ، وبذريعة الحفاظ على الوجود المسيحي في الشرق من جهة ثانية . أما أسخن تلك الرسائل, تمثل بقصف إسرائيل لموقع الكبر النووي في العمق السوري، والذي شكل بناؤه تخطياً لحدود العلاقة معها، من دون أن يرد النظام السوري، لئلا تنقطع خيوط تلك العلاقة، والتي بدأت معالمها تتضح على خلفية تصريحات ليبرمان المثيرة للجدل.
كاتب سوري
http://thaaer-thaaeralnashef.blogspot.com/

الأربعاء، 16 ديسمبر 2009

هل الإرهاب ديدن الإسلام ؟



ثائر الناشف
لا تبدو المقاربة بين الإسلام والإرهاب صائبة من كل الزوايا ، فليس كل فعل إرهابي ، مهما اشتدت حركته واتسعت دائرة تأثيره ، يعني العنف ، حينها يمكننا اختصار المسافة الفاصلة بينهما ، والقول إن العنف هو ديدن الإسلام ، ويتضح العنف من خلال نتائجه التدميرية على المادة قبل الروح .
ففي إحدى زوايا الربط بين الإسلام والإرهاب، أنه يعني الردع ، أي رد الفعل إلى أساسه الذي يحاول الارتداد منه ، وبالتالي منعه من التحقق ، فيما يشبه الترهيب النفسي الذي يحول دون تحقيق أهدافه .
فالارتكاز على معنى واحد ، قد لا يعفي الباحث من تهمة التحيز إلى تبني رؤية دون الأخذ أو الإشارة إلى الرؤية الأخرى ، لهذا فإن الاشتغال على أحد المعنيين السالفين ، لا بد أن يؤدي إلى المعنى الآخر ، وإلا فأن التحيز هو التهمة الجاهزة دائماً في كل زمان ومكان .
ولطالما أشرنا إلى عدم صوابية الربط بين الإسلام والإرهاب ، فهذا لا يعطي مسبقاً شهادة البراءة ، لكلٍ من المفهومين السابقين ، وعلاقة بعضهما ببعض ، ولعل صور المعارك الدامية في الصومال بين الأحزاب والجماعات الإسلامية ، وكذلك التفجيرات المدمرة في جمهورية باكستان الإسلامية ، تقدم البرهان القاطع من تلقاء نفسها ، ودون أدنى مواربة أو محاولة لتجميل الصورة أو الالتفاف على حقيقتها ، وذلك بأن العنف هو الذي يتحكم بإدارة دفة الصراع بين الإسلاميين أنفسهم ، وأن القول الفصل لمن يمارس العنف بصورة أشد دموية على خصمه ، باعتبار أن الدم يستسقي الدم ، وبالتالي فإن العنف يستسقي العنف في كل جولة من جولات
الصراع .
غير أن هذا العنف ، سواء كان في الصومال أو باكستان ، يؤكد لنا أنه في اتجاه واحد ، أي أنه صراع إسلامي – إسلامي ، قبل أن يكون صراعاً إسلامياً – غربياً ، ولو أنه يدعي " الجهاد " بداية ، ثم لا يلبث أن يطلق النار على نفسه ، فهل أن الأمر في أساسه يتعلق بالصراع على السلطة ، كما حدث في الجزائر في مطلع تسعينيات القرن الماضي وفي أفغانستان إثر تدخل الولايات المتحدة على خلفية هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، وأن كان جله تحت شعارات الإسلام ، أم أنه لا يعدو كونه سلوكاً مغروساً في كينونته المفطورة على العنف ، سواء قبل الإسلام أو بعده .
في الواقع أن الإجابة على السؤال السابق ، قد تبدو معقدة ومتشعبة في آن معاً ، لأنه إذا كان أساس هذا العنف ، مجرد الصراع على السلطة ، فلا شيء يبرر ربطه بالإسلام ، ففي أصقاع إفريقيا تدور صراعات شتى على السلطة ، ولنا في جنوب إفريقيا أوضح مثال ، وكذلك الحال في أسيا ، إذا ما أخذنا سيرلانكا في الحسبان .
كما لا نستطيع الجزم أن العنف المتولد في أوساط المجتمعات الإسلامية أو إلى ما عداها من مجتمعات مجاورة ، عائد إلى التكوين النفسي والجيني لدى الإنسان الشرقي ، دون الإنسان الغربي ، أو إلى التنشئة الدينية للإسلام بعينه ، فكل الديانات السماوية والأرضية ، فيها من الرحمة ما يشي بالسلام الكامل ، وأيضاً فيها من الدعوة الصريحة إلى العنف والتي تنضح فيها نصوص كتبها المقدسة ، ما ينذر بأبدية الصراع ، ولسنا في وارد استعراضها في هذا الصدد .
وقد يجري السؤال، رداً على ما جرى ذكره، إذن لماذا انتفى العنف كلياً من المسيحية في أوروبا، وظل يفعل فعله في الإسلام ؟ ليس لأن أوروبا عطلت سلطة الكنيسة ، وأبقت أبوابها مفتوحة لمن شاء الدخول أو الخروج منها دون حسيب أو رقيب ، في حين بقيت المساجد الإسلامية ( المسجد الأحمر في باكستان ) بؤرة لكل نماذج العنف ، بل لأنها أنهت أحلام رجال الدين في التربع على السلطة من خلال الكنيسة ، وقد يفهمها البعض هنا ، بداية ثورة فصل الدين عن الدولة ، من خلال الركون إلى العلمانية السياسية والقانونية والاجتماعية ، كما في فرنسا وألمانيا وبريطانيا ، فهذه الدول الثلاث ، وأن كانت قد مارست العنف تجاه بعضها ، كما فعلت ألمانيا النازية ضد فرنسا ، أو تجاه العالم الآخر ، مثلما فعلت بريطانيا في الهند ، وفرنسا في إفريقيا ، فإنها لم تمارسه في الإطار العام باسم الدين أو المذهب ، حتى لو أدعى البعض ذلك ، بقدر ما مارسته بفعل تحقيق مصالحها السياسية والقومية ، بعكس حال المجتمعات الإسلامية التي لم تستطع أن تحيد الدين في كل صراعاتها الداخلية ، كما في أفغانستان ، أو الخارجية كما حصل أبان الحرب العراقية – الإيرانية ، التي دامت لثماني أعوام ، وحصدت من الأرواح ما يزيد عن المليون إنسان ، ومهما حاول البعض توصيف هذه الحرب وربطها بأسباب عرقية ، وإضفاء الطابع القوي عليها ، كصراع عربي - فارسي ، إلا أن أسبابها المذهبية، التي حملتها الثورة الخمينية في بداية عهدها في طهران عام 1979 ، هي التي بعثت ومازالت تبعث على العنف ، يوازيها في المقابل إيديولوجية الولاء والبراء كعقيدة سياسية أكثر منها دينية ، والمعمول بها من قبل الجماعات السلفية ، بحيث أن كل هذا الصراع الإسلامي – الإسلامي يرسخ في الذهن ، لطالما كان العنف نابعاً من الإسلام نصاً من خلال الاستناد على بعض الآيات القرآنية ، وروحاً من خلال الاستعداد الدائم للموت في سبيل النجاة والخلاص من مباهج الحياة الدنيا .
أما الزاوية الثانية التي تعني الردع بما يخالف معنى العنف ، والردع في حقيقة أمره يعني الاستعداد ، على قاعدة أن الاستعداد للحرب يمنع الحرب ، فكل مسلم ، فرداً كان أو جماعة ، يعتبر نفسه مطالباً بالاستعداد والتهيؤ في أوقات الحرب ، عملاً بسورة الأنفال " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم " وسواء عنت العنف لدى البعض ، أو الردع لدى البعض الآخر ، فإن تياراً واسعاً من المسلمين من ذوي الاتجاهات المحافظة ، يرفضون رفضاً قاطعاً وصمهم بالعنف والإرهاب ، وسواء اعترفوا بفقه ذوي الاتجاهات الراديكالية ، أم لم يعترفوا في تمثيلهم للإسلام ، فإنهم بين حجري رحى العنف الذي يمارس باسمهم ، والردع الذي لا يستطيعون من خلاله وقف طاحونة العنف ، ولأنهم لا يستطيعون فإنهم متهمون في توفير المناخ الملائم في توفيره .
كما أن الإيمان بمبدأ الفرقة الناجية من عذاب الآخرة ، وسع شقة الخلاف بين المسلمين أنفسهم ، بحيث صار كل مسلم ينظر في مرآة أحواله ، بأنه هو الناجي ، وأنه بريء مما قد ينسب إليه من أفعال يرتكبها أبناء ملته ، فلا أحد يحاسب بالنيابة عن أفعال غيره .
مبدأ الإيمان بالفرقة الناجية ، جعل قضايا التكفير والتطرف وما تنطوي عليه من أفعال عنفية ، ككرة النار الملتهبة ، يتقاذفها المسلمون فيما بينهم ، هرباً من تحمل مسؤولية ما آلت إليه أمور مجتمعاتهم من الغرق في مستنقعات دامية ، وخوفاً من أن تحرق بلهيبها المستعر ، من لم يكتوِ بعد بنارها .
Thaaer-1@hotmail.com

الأربعاء، 25 نوفمبر 2009

مأسسة الطائفية في سورية


ثائر الناشف
ليس حديثنا اليوم سرداً ذاتياً، بقدر ما هو غوص في الأعماق، وذلك بحثاً عن الإجابات للأسئلة الكثيرة التي طرحها المهتمون بالشأن السوري، وقد يطول أو لا يطول بنا المقام في استقصائها قدر ما استطعنا.
بما أن الحديث القديم - الجديد الدائر عن الطائفية في سورية ، بات محوراً لكل المتابعين ، فإننا وبكل موضوعية سنضع القارئ أمام ملاحظات حية من وحي الواقع السوري الراهن ، بما يتوافق أو يتعارض مع أطروحات النظام السوري و المعارضة ، لكن الحقيقة لا بد أن تقال ، حتى وأن كانت نسبية على مراحل متتالية ، إدراكاً منا باستحالة امتلاكها ، إلا أن الاقتراب منها ، يعني التعرف عليها وتعريف الآخرين بها .
والحقيقة أن الطائفية مثلها مثل أي عملة، لها وجهان، وجه أبيض ووجه أسود، ولا نقول وجه حسن وآخر قبيح، احتراماً لعقل القارئ ومشاعره النبيلة.
يظهر الوجه الأبيض للطائفية في كونها حقيقة قائمة في كل مجتمع إنساني على وجه الأرض ، ورغم اندراجها في خانة الأقليات ، إلا أن بياضها كناية عن الغنى الثقافي والتراثي ، فضلاً عن صور التعايش والتسامح القائمة بين أفرادها .
أما الوجه الأسود، فيتجلى في الاتجاهات التعصبية لطائفة بعينها، وذلك عبر رفضها العيش والتعايش مع الآخر، ورفضها الاعتراف بكيانه السياسي والاجتماعي ، بما يصل بها المقام إلى حد الاستعلاء الباعث على تكريس العنصرية في نهاية المطاف كأحد أوجه العصبية الطائفية .
هذان الوجهان الطائفيان يتداخلان أشد التداخل في سورية اليوم ، والدليل على الطائفية وعلى سقمها ، الذي لا يحتاج إلى طبيب أو باحث ، أنها واضحة وضوح الشمس في رابعات النهار ، لكن الجديد في المسألة ، أن الطائفية لم تعد بوصفها داء مقيتاً ، حلقة مفرغة من حلقات النظام السوري تدور في ثناياها السلطة والمجتمع في ما يشبه الشرنقة التي استحوذت على الداخل بفعل تأثيرات المحيط الإقليمي ، وهي لم توفر أحداً من مثقفي النظام ، بل غدت الطائفية ككيانات متعددة في جسم واحد ، هو جسم النظام .
فثمة كيان عسكري وآخر سياسي وثقافي وحتى فني ورياضي ، إلى الحد الذي جعل الطائفية في سورية مؤسسة قائمة بذاتها ، أي اختزال الطائفية في مؤسسات الدولة الوطنية الأولى منذ الاستقلال ( الأول ) أو لنقل مأسستها ، أي مأسسة الطائفية من خلال ترويضها وتوظيفها في مؤسسات الدولة .
كما لا يمكن تحميل تيار سياسي بعينه ، مسؤولية الإغراق الطائفي للمجتمع ، بما في ذلك حزب "البعث" ، الذي لا يملك من أمره شيئاً ، سوى أنه كان ولا زال حتى الأمس القريب واجهة من واجهات السلطة ، وبالتالي ستر عوراتها الطائفية .
بكل الأحوال ، لا يوجد أدنى مبرر لاستفحال أزمة الطائفية والتهامها لهياكل الدولة كما في الحالة السورية ، سوى الخوف من المصير المجهول الذي ينتظرها في المستقبل ، والسؤال هنا ، ما الذي دفعها ودفع النظام السوري إلى مأسسة ذاته الطائفية ، أهو الخوف من الماضي على حساب معطيات الحاضر ؟.
يعلم النظام السوري ، كما نعلم واقع الطائفة العلوية وموقعها في بنية المجتمع السوري من النواحي كافة ، كما نعلم حجمها السياسي والثقافي في الماضي والحاضر ، وهو يتساوى إلى حد كبير ما لدى الطوائف الأخرى من تاريخ وحضور كبيرين على الساحة السورية ، لكنه وبجميع الأحوال ، لا ينبغي لأحد أن يسمح لنفسه أو لطائفته بتخطي حدود الدولة باسم الوطنية أو الهوية السورية ، حتى الأخيرة باتت مزيفة بفعل الطائفية .
فما معنى أن يحمل السوري هوية لا يستطيع بها أو من دونها ، أن يصبو إلى أحلامه وأهدافه ، لتبقى من نصيب غيره ، من ذوي اللون الذي يتطابق مع لون النظام ، ولا نبالغ إذا ما قلنا ، أن الهوية السورية جرى قضمها بفعل التزييف والتهميش ، فهي ثمينة في سوق النظام ، ورخيصة في سوق السواد الأعظم .
إن الطائفية في سورية ليست حالة اجتماعية مثلها مثل الحالة اللبنانية أو العراقية ، لقد كانت بالأمس البعيد حالة اجتماعية لا علاقة لها بالدولة ، لكنها باتت اليوم حالة سياسية مقنعة ، أتت على المجتمع والدولة ككل واحد ، وأخطر ما في الأمر انتقالها المنظم من ثنايا المجتمع إلى قلب السلطة فالنظام ، ولا نعلم إلى أين ستصل مستقبلاً .
Thaaer-1@hotmail.com

الأحد، 1 نوفمبر 2009

سورية ... القمع خبز الثورة



ثائر الناشف
بالوقت الذي يمعن النظام السوري في اعتقال معارضيه ، تتوهم المعارضة السورية بمختلف أطيافها في إمكانية المصالحة معه ، أو انتظار التغيير القادم الذي في اعتقادها ينبغي أن يكون سلمياً وديمقراطياً كمحاولة منها لتجنيب نفسها وهياكل الدولة المهترئة أصلاً بفعل الفساد والاستبداد ، ومعهما المجتمع السوري من عواقب وويلات ما حصل ويحصل في العراق من كوارث ونزاعات ، فهي بذلك ، أي المعارضة ، تضع النظام والرأي العام عند حقيقة أهدافها الواضحة حول أولوية التغيير السلمي ، وبعضها الآخر لا يمانع في السير على طريق الإصلاح المتدرج الذي يروج له النظام وبالتالي المصالحة معه .
أهداف المعارضة في جملتها تكاد أن تكون إيجابية لجهة انتهاجها لمبدأ سلمية التغيير وابتعادها عن الطرق الراديكالية ، تظهر إيجابيتها في نظر المحيط العربي المتربص دائماً من أي حركة تغيير تأتي من حوله ، ويكفي ما حصل حتى الآن في دول الرابطة المستقلة ( الاتحاد السوفيتي سابقاً ) من انهيارات متتالية لنظم الحكم وثورات ملونة لعروش الفساد والاستبداد الأحمر ، غير أن هذا المحيط العربي والإقليمي وحتى الدولي ، لا يملك أدنى تأثير على حركة الشعب إذا ما أراد التحرك نحو تصحيح وتصويب مساره التاريخي ، مهما امتلك هذا المحيط من وسائل التأثير التي تحول دون حدوثه أو على الأقل تأجيله حتى إشعار أخر إلى أن تتضح صورة المشهد السياسي لمستقبل المنطقة على المدى المتوسط والبعيد .
لكن استمرار المعارضة السورية على تمثل تلك الأهداف في كل نشاطاتها وحراكها السلمي أصلاً ، لا يعني أن التغيير القادم ولو بعد حين، سيأتي بفعل تراكمية أهدافها ودعواتها غير المنقطعة لبلوغ هدف التغيير ، لأن المواجهة في الأساس ليست محصورة بين المعارضة والنظام ، وأياً كانت درجة تمثيل المعارضة لفئات الشعب السوري وحجم ومستوى ذلك التمثيل ، ستظل المواجهة قائمة في اليوم أو في الغد بين رؤوس النظام وأركانه وبين شرائح المجتمع السوري بمختلف ألوانها السياسية والعرقية التي اكتوت بنار الاستبداد والقمع التهميش والنهب والهزائم المهينة لكرامة الذات .
فلا نستطيع تصور حدوث التغيير في سورية بضغطة زر أو بعصا سحرية يملكها أحد اللاعبين الكبار على الساحة السياسية ، كما لا نستطيع تصور حدوث التغيير والشعب في حالة غيبوبة كاملة لم يستفيق منها بعد ، لذا ، لن يبشره مبشر بحدوث ما كان يتمنى حدوثه ، من دون حدوث الصحوة في ضميره ووجدانه المنقطع عن الحياة بفعل القمع الممنهج .
كما لا نستطيع أن نبحر في تصوراتنا تلك ، من دون أن نتلمس العوامل المؤدية لحدوث التغيير ، وأول تلك العوامل ، الشعور بامتلاك إرادة التغيير الجماعية وليس الفردية ، يؤازرها في المقابل ، استفاقة جماعية تؤدي إلى الخروج عن صمت المقابر ، ولعل العامل الوحيد الذي يمكن أن يؤدي إلى حدوث التغيير هو القمع .
إن القمع الممنهج الذي أصبح ديدن النظام السوري وأساس وجوده الطارئ ، لازال يمارسه منذ أربعين عاماً ، ولم يوفر أي فئة من فئات المجتمع السوري كخصم تاريخي وعدو تقليدي ، يزداد أثره وتأثيره في خلق الوعي المسلوب بفعل القمع والحرمان الناتجين عن سياسة التكميم ، من شأنه أن يؤدي إلى تثوير المجتمع بما يخالف ولو لمرة واحدة حساباته وتوقعاته المستقبلية .
لم يعد الجوع ما يدفع الشعوب نحو الثورة ضد الطبقات المُستغِلة للقمة عيشها ، بقدر ما بات القمع الذي يوغل النظام السوري في ممارسته بحق الشيوخ كما جرى مع عميد الحقوقيين العرب الأستاذ هيثم المالح ، وبحق الأطفال والنساء ، سواء كانوا من رعاياه أو من الأشقاء العرب المستضعفين في أرضهم المحتلة كما حصل مع السيدة الأحوازية معصومة الكعبي وأطفالها الخمس .
وبالرغم من نجاح النظام السوري في إحكام قبضته الأمنية على كل مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية في سورية وما يحيطها من فوضى بناءة تضرب أرجاء المنطقة العربية ، إلا أنه فشل في تقديم الصورة البراقة عنه كنظام مؤسساتي ، بقدر ما أضفى على نفسه صورة النظام الاحتلالي الذي لا تختلف ممارساته كثيراً عن ممارسات أي محتل آخر للأرض والإنسان .
يعلم النظام السوري في سره ومن وحي قراءته للتاريخ ، أن الأبدية التي يرفع شعارها عالياً ليست من صفات الإنسان ، مهما طغى وتجبر على أخيه الإنسان ، وأن مياه النهر الراكدة ، رغم السدود والموانع ، لن تبقَ على حالها من دون أن تدفع بها مياه أخرى أشد وأقوى غزارة إلى مكان يليق بركودها الطويل .
ويعلم أيضاً ، أنه وبسلوكه القمعي ، يؤسس لتلك اللحظة التاريخية الفارقة التي ستكون بمثابة الصدمة الكهربائية أو لنقل الحجر الذي سيحرك مياهه الراكدة ، والباعث بكل الأحوال على المواجهة الساخنة بين القامع والمقموع ، بعيداً عن كل الاعتبارات السياسية الأخرى ، ومقولات التغيير الناعمة .